كان حدث وفاة معالي الدكتور محمد بن أحمد الرشيد المربي والمفكر والوزير السابق - رحمه الله - حدثاً مهماً في هذا الوطن المعطاء، ومثّل درساً في وفاء المجتمع لمن أعطى وبذل وخطط وساهم بكل إخلاص وتميز؛ فقد غص جامع الملك خالد في الرياض بالمصلين، وتقدمهم بالإمامة المفتي العام للسعودية سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل شيخ، بحضور جموع من الأمراء والعلماء والوزراء والتربويين ومختلف شرائح المجتمع. ولم يكن العزاء لزوجته أو أشقائه أو أبنائه أو أسرة الرشيد، وإنما العزاء لكل تلاميذه ومحبيه ومن عرفه وتعامل معه. وعندما حمله المشيعون مشياً على الأقدام إلى مقبرة أم الحمام ظل الجميع في حالة عزاء، يتبادلون الألم والحسرة والدموع على وفاة المعلم الرشيد، وكان عدد كبير منهم من زملائه وأصدقائه الذين كان يحرص على التواصل معهم، ولم ينقطع عنهم في جامعة الملك سعود أو مكتب التربية أو مجلس الشورى أو وزارة التربية، وقال أحدهم لزملائه الذين لم يلتقِ بهم منذ زمن رحم الله محمد الرشيد؛ جمعنا حياً وجمعنا ميتاً. أما منزله فقد ازدحم بالمشيعين من داخل الرياض وخارجها، وشاهدنا محبي الدكتور الرشيد قدموا من جدة والدمام وأبها وحائل والمدينة المنورة، وغيرها من مدن السعودية، كما شاهدنا حضوراً من دول الخليج والدول العربية، ورأينا التغطية الإعلامية لوفاته - رحمه الله - والمقالات التي كُتبت عنه ثناء ورثاء وتبيان حال، وتوضيح صورة؛ لأن الكثيرين عايشوا مواقف وقصصاً مع الدكتور الرشيد - رحمه الله. وأعتقد أن تجربة الدكتور الرشيد حري بها أن تدرَّس بعمق، سواء في مؤلفاته أو أطروحاته أو أفكاره، وذلك عبر شهادات علمية، تدرس في الجامعات، لكن من اقترب منه وعايش أحداثاً وقعت أمامه فإنه مطالب بتوضيحها وتبيانها للناس؛ لأن الناس شهود الله في أرضه، وهو مضى وأفضى إلى ما قدم. ولكن عرض هذا المواقف والتعرف فيها على جوانب شخصيته مهم؛ ليعرف المجتمع حجم الجهود التي قام بها، والخصال التي يتمتع بها؛ ليدعو له، ويذكروا هذه الجوانب للاقتداء به والسير على منهجه. ولهذا تأتي هذه المقالة لإلقاء الضوء على بعض الجوانب الرائعة في شخصية الدكتور محمد الرشيد - رحمه الله. البداية بداية شرف تعرفي على الدكتور محمد الرشيد - رحمه الله - كانت أثناء حج عام 1415، عندما جمعتنا المصادفة ضمن تلك الحملة، وكنا قريبين من بعض، وتشرفت بالتعرف عليه والحديث بين تلميذ وأستاذه؛ ذلك أنه سبق لي أن أجريت معه حواراً صحفياً لصحيفة الرياض في عام 1403 تقريباً، عندما كان مديراً عاماً لمكتب التربية لدول الخليج، ثم اتصلت به هاتفيا وهو في أمريكا عندما صدر قرار تعيينه عضواً في مجلس الشورى عام 1414 لأخذ انطباعه، وحينها كنت نائباً لرئيس تحرير صحيفة عكاظ في المنطقة الوسطى، واستمر التواصل دون أي لقاء، وعلى فترات متباعدة، وكنت قد دعوته لندوات عكاظ آن ذاك، ووعدني بالحضور، ولم يتمكن، وأبدى ملاحظته على طول الندوات وأهمية وضع ملخص لها؛ لذا كان لقاء الحج فرصة لي للتعرف على هذا الرجل، وحدث ارتياح متبادل؛ كون أبي أحمد شخصية تأسر الكثيرين، وهذا ما حدث في الحملة؛ إذ كان يحظى بتقدير الجميع، وكان الشيخ عادل الكلباني إمام الحملة والشيخ عبد الله بن جبرين - رحمه الله - من يحدث فيها، وكان الدكتور محمد يسألني عن موضوعات وأسماء تأتي أثناء حديثنا، فلفت نظره معرفتي بكثير من الأسماء، وأخبرته بأن هذه تكونت من عملي في الصحافة ومتابعتي للشخصيات، فأثنى على هذا الجانب، ولم أكن أعلم أن هذا اللقاء في الحج سيكون انطلاقة إنسانية وعملية واجتماعية مع هذا الرجل المتميز، وهذا ما حدث؛ إذ صدر الأمر الملكي الكريم بتعيين الدكتور الرشيد وزيراً للمعارف في 3 شهر 3 عام 1416 للهجرة، أي بعد ثلاثة أشهر من لقائنا في الحج؛ فاتصلت به مهنئاً ومباركاً بالثقة الملكية الغالية، وكان على عادته متواضعاً بشوشاً، وقال أنا أحتاج لعونك وجهدك، وفي الوزارة هناك عمل كثير، ولعلك توافق على العمل معي. عندها فوجئت بهذا الطلب، وكنت حينها أعمل عضو هيئة تدريس في كلية الملك خالد العسكرية بعد انتهاء فترة إعارتي لعكاظ وبداية الإجازة الصيفية، ومستعد للتمتع بالإجازة مع عائلتي، إلا أن كلمات الدكتور الرشيد كان لها وقع الأثر، وقررت الموافقة، لكنني ذهبت لمعالي الدكتور حمود البدر الأمين العام لمجلس الشورى آنذاك، وكان أستاذاً أعتز برأيه، وأخبرته بعرض الدكتور الرشيد، فقال اذهب ولا تتردد؛ وهو يعرفه حق المعرفة بحكم عملهم في الجامعة سوياً؛ فذهبت للدكتور الرشيد - رحمه الله - لمقر الوزارة بعد أن أدى القسم، وقابلته، وكنت أول من عمل معه من خارج الوزارة، وبقيت أسابيع عدة حتى جاءت قدرات أخرى للعمل في الوزارة، إضافة للقياديين من داخلها، وقال لي الدكتور الرشيد ومكتبه عامر بالزوار والمراجعين والمهنئين إنه لا يوجد في ذهنه شيء محدد لطبيعة عملي لكن داوم في صالة الاجتماعات، وأحضر مقابلاتي واستقبالاتي كافة. وفعلاً كنت أحضر، وأكتب ما يدور، وألخص له ذلك، وما ينفع للإعلام أرسله إلى وسائل الإعلام، والباقي نحفظه، وهو ما كان نواة كتيب سلمته لمعاليه بعنوان (العام الأول للدكتور الرشيد في وزارة المعارف) بعد نهاية العام الأول. بعدها أصدر معاليه قراراً بتعييني مستشاراً ومشرفاً على العلاقات والإعلام في الوزارة، بعد أن طلبني من مرجعي، وكانت الموافقة سهلة للعلاقة القوية التي تربط معالي الوزير الدكتور الرشيد بمعالي الدكتور عبدالرحمن السبيت وكيل الحرس الوطني المشرف الأكاديمي على كلية الملك خالد العسكرية؛ كون الدكتور السبيت وكيلاً للرشيد أثناء عمل الدكتور الرشيد عميداً لكلية التربية في الجامعة. وعلمت لاحقاً أن كثيراً ممن اتصل بالدكتور الرشيد مهنئاً قد طلب منهم العمل معه، وأن بعضهم كان يضع شروطه من حوافز مادية ومعنوية، بينما كانت موافقتي سريعة، وأذكر أنه سألني بعد عام عن سبب ذلك، فأخبرته بأنني رأيت فيه الحماس عند حديثه عن التربية، وأن تطوير المجتمع يأتي من تطوير التعليم وتحسين مخرجاته، وأن اختياره من قبل ولي الأمر دلالة على كفاءته والرغبة في التطوير، ويشرفني أن أكون ضمن هذا الفريق، إضافة إلى الخبرة التي سأكتسبها - بإذن الله - من العمل بقربه وثقتي بأنه يدعم ويشجع وسيقدر مجهودي، وهذا ما حدث ولله الحمد؛ إذ تعلمت من مدرسته الكثير، كما تبنى استحداث أول وظيفة بمسمى المدير العام للإعلام التربوي، وتم تعييني عليها من مجلس الوزراء عام 1418. الوفاء من أعظم خصال الفقيد - رحمه الله - وفاؤه للرواد وأصحاب العطاءات والهمم، وبدأ أول عمله في الوزارة بتكريم معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز - رحمه الله - في قاعة فندق الإنتركونتننتال، في حفل غص بالآلاف من وجهاء وأعيان المجتمع ورجالات الفكر والثقافة والإعلام، وكانت لمسة وفاء من معاليه، ثم بدأ بتكريم رواد التعليم في مختلف مناطق السعودية، بحضور أمراء المناطق، وكانت الدموع والذكريات وتسليط الإعلام على قامات وأسماء كان لها جهودها وعطاءاتها، إلا أن منهم من جاء على كرسي متحرك، أو جاء وقد ظهرت عليه الشيخوخة، فكانت لمسات حانية إنسانية لهؤلاء الرواد وأسرهم، وأصدرت كتيبات وتراجم لحياتهم، وبلغت الأعداد تقريباً العشرات من كل منطقة، وهذا جزء مهم من تاريخ التربية والتعليم في السعودية. الانفتاح على الإعلام كان الدكتور الرشيد يدرك أهمية الإعلام في الوصول إلى المجتمع؛ وبالتالي تحقيق التفاعل والتجاوب بين البيت والمدرسة، وكان هذا مـا حصل أكاديمياً وفكرياً عنده منذ أن أقام ندوة (ماذا يريد التربويون من الإعلاميين؟)، التي نظمها مكتب التربية العربي لدول الخليج برعاية سمو وزير الداخلية رئيس المجلس الأعلى للإعلام آنذاك الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - وحضرها صفوة رجال الفكر والتربية والإعلام. ولهذا كان يدرك أن رسالة التربية ستكون قاصرة بدون إعلام يساندها؛ فبدأ بسلسلة من التواصل مع وسائل الإعلام عن طريق الإعلام التربوي في الوزارة بالكتابة للإذاعة والتلفزيون والصحف اليومية والمجلات، وأصبح للوزارة برنامج تلفزيوني، هو برنامج (الميدان التربوي)، يناقش أسبوعياً قضايا التربية والتعليم، ويحظى بمتابعة جيدة، ويشترك فيه الطلاب والمعلمون وأولياء الأمور ومسؤولو الوزارة. وحرص على إصدار استراتيجية الإعلام التربوي، وأُنشئت إدارات للإعلام التربوي في كل إدارة تعليمية للتواصل والتنسيق مع وسائل الإعلام، كما تم إصدار الملف الإعلامي الأسبوعي، وجرى توزيعه في جميع أقسام الوزارة وإدارات التعليم، ووجه رسالة في أول عدد للملف قائلاً أخي وزميلي المسؤول في وزارة المعارف. يأتي هذا الملف ليحقق أهدافاً ثلاثة، أولها توفير معلومة ورؤية تربوية من خلال ما يتناوله الكتاب والمثقفون والمفكرون عبر الصحف والمجلات والمطبوعات التي يتم الرجوع إليها. وثانيهما الاستفادة من هذه الرؤى والملاحظات التي تنشر في الصحف، والتعامل معها من واقع مقولة عمر رضي الله عنه (رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا)، ثم إصلاح ما يمكن إصلاحه من قصور لدينا، والرد وتوضيح وجهة نظرنا. وثالثاً: وجود معلومات محفوظة يمكن الرجوع لها لمعرفة أخبار وأنشطة الوزارة في فترة زمنية معينة، ورجائي المتابعة والحرص على ما يُنشر ومتابعته والرد عليه. كما حرص على إعادة إصدار مجلة المعرفة؛ لتكون في فترة وجيزة المجلة العربية الأولى الأكثر متابعة بجهود رئيس تحريرها الدكتور زياد الدريس رئيس التحرير، ودعم الوزير الذي يكتب افتتاحيتها شهرياً، وتحمل رؤى وتوجهات الوزارة، وتصل إلى كل معلم، حتى انتشرت وأصبحت حديث المجتمع، وبدأت بحفل تدشين ضخم برعاية سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - أمير منطقة الرياض آنذاك، وتم تكريم رواد المعرفة ومن عمل فيها إبان إصدارها، فكان حدثاً مؤثراً، لا يُنسى، وبلغ توزيع المعرفة عشرات الآلاف من النسخ. التواضع والصندوق التجوري الأسود كان - رحمه الله - متواضعاً بسيطاً، ينادي الناس بكنيتهم، ويطلب منهم مناداته بكنيته (أبو أحمد)، ويبث الحماس في العاملين معه بهذه الطريقة؛ إذ الإدارة بالحب والإنسانية وروح الفريق؛ ولهذا ينسى العاملون معه الوقت، ويتفانون حباً بالأهداف العظيمة التي يرجوها، وهي تطوير التعليم المرتبط بحل جميع مشاكل المجتمع من سلوكيات وممارسات وفقر وبطالة وجريمة، وغير ذلك، والكل يعمل بروح جماعية؛ لأن قلبه مفتوح للجميع، ويشعر كل واحد بأنه مهم عنده، ويستمع للآراء كافة، ويشاور ويثق بقوة، ويتعامل بشفافية مطلقة، وكل القضايا تناقش بكل صراحة في الاجتماع الأسبوعي؛ ولهذا لم تطغَ فكرة على أخرى، ولا مسؤول على آخر، ويقطع دابر النميمة والشحناء بالمكاشفة والوضوح؛ فالكل سواسية. ومن الأمثلة على تواضعه وأريحيته أنني سافرت بمعيته وحدنا في مهمة عمل إلى لندن، وبعد ترتيب الحجوزات طلبت منه أن أخطر السفارة لترتيب الوصول والاستقبال كونه وزيراً وعضواً في مجلس الوزراء، فقال سنجد الصندوق التجوري الأسود في انتظارنا. وسافرنا بالخطوط السعودية، ونزلنا مع الركاب، وانتظرنا الجوازات، وهو بنفسه من كان يتحدث مع الموظف الذي كان في حالة استغراب وهو يرى صفة الوزير في الجواز، ومع ذلك هو من يخلص إجراءاته بنفسه، وقد تعود هذا الموظف على المظاهر ممن يوهم نفسه بالأهمية وعشرات يستقبلونه ويتحركون أمامه لإنهاء إجراءاته، بينما خرجنا للعفش مع بقية المسافرين، ثم خرجنا خارج المطار، وسألته عن الصندوق التجوري الأسود، فقال انظر إلى السيارات السود تلك، وإذا هي سيارات الأجرة في لندن التي لها شكل الصندوق والخزنة، وانتظمنا في الانتظار مع المنتظرين حتى جاء دورنا، وركبنا سيارة الأجرة إلى الفندق؛ ولهذا كان يحب البساطة، ويعرفه سكان حيه والأحياء المجاورة في لباسه الرياضي وممارسته رياضة المشي يومياً، وهذا هو منهجه وأسلوبه دون تكلف أو ادعاء. الزيارات الداخلية والخارجية كان الدكتور الرشيد - رحمه الله - رجل ميدان، لا يحب العمل في المكاتب، ويرى أن العمل الحقيقي يبدأ بالناس والتواصل معهم؛ ولهذا حقق شعبية كبيرة داخل منسوبي وزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً)؛ إذ كان يحرص على زيارة المناطق والمدن والقرى، والالتقاء بالمعلمين والمشرفين والتحدث إليهم والاستماع منهم، وكان يلهب حماس العاملين عندما يرون وزيرهم بينهم، وكان يصحب مسؤولي الوزارة، وكانت فرصة للتعرف على ربوع بلادنا، فهو اليوم في مكة المكرمة، وغداً في بيشة، وبعد غد في أبها، وبعدها في تبوك وجازان، ثم نجران، ثم الباحة والقنفذة وأضم ورابغ وينبع، ثم جدة والدمام والقريات وحائل والقصيم، وغيرها من مدن السعودية المختلفة، وكنا نتحرك في حافلات، وتدور مناقشات وحوارات وطرائف.. ولن ينسى العاملون معه إنسانيته وروحه الجميلة في أحد المواقف، وهو افتتاح الوحدة الصحية في بدر في منطقة المدينة المنورة، وما صاحبها من أحداث ومواقف نقلها معاليه بعد أن وصل وفد الوزارة للمدينة، وقابلنا فيها الأمير عبدالمجيد - رحمه الله. كما أدرك أهمية الاستفادة من التجارب الدولية؛ فقام وفد برئاسته، وتشرفت بمرافقته إلى اليابان وكوريا وسنغافورة وإندونيسيا، وتم التعرف على تجارب هذه الدول، ومقابلة وزرائها، وزيارة المدارس، وتم كتابة كتاب مفصل عن هذه الزيارة، كان ضمن محفوظات مكتبة الوزارة، ووزعه معاليه على عدد من الوزراء، واشتركنا جميعاً في تأليفه، وبحثت عن نسخة منه مؤخراً، فقالوا فُقد. كما تم إرسال بقية المسؤولين في زيارات مماثلة لدول أخرى، فكان مفيداً للمسؤولين اطلاعهم على هذه التجارب المهمة. التربية الوطنية والمنهج الخفي كان الدكتور الرشيد يدرك أن الوطن مستهدف من أحزاب حركية ودول معادية وأفكار ترى أن التعليم هو مجالها للسيطرة على عقول الناشئة، وأذكر أننا كنا نزور مكتبات المدارس في بداية عمل الوزير، وكانت الدهشة بادية علينا؛ لأن المكتبات فقيرة بالكتب الوطنية، وأن الأدلجة قد غزتها، وأن كتب سيد قطب وأمثاله هي السائدة، فرأى معاليه أن المهم هو إدخال منهج للتربية الوطنية لتعريف النشء بوطنهم وعظمته، وجهود المؤسس - رحمه الله - وبدأ معاليه بعد صلاة الفجر في الطائف يضع الخطط الأولى لمنهج التربية الوطنية، ونتشاور حوله، ثم اتصل بالأمير سلطان - رحمه الله - وشرح له الفكرة، وكان سموه رئيس اللجنة العليا للتعليم، وتم إرسال الفاكسات التي حظيت بالقبول والاستحسان؛ كون الدكتور الرشيد يجد التقدير من ولاة الأمر، وكان واثقاً من نفسه، والقنوات له مشروعة لثقتهم به وتقديرهم لجهوده وحسن نيته.. لكن للأسف جوبهت التربية الوطنية برفض من عناصر مؤثرة في الوزارة من مشرفين ومديرين، مع ترحيب الوطنيين المخلصين بها، لكنها ظلت حتى الآن مادة ميتة، يدرّسها أي معلم بدون نجاح أو رسوب، بينما تخصص فرنسا وزارة كاملة للتربية الوطنية، وتحولت المادة التي تتحدث عن المؤسس - رحمه الله - وعن الوطن وفضله علينا وأجهزته ومؤسساته إلى مادة هامشية، لا لون ولا روح لها، وهو ما يؤكد مقولة المنهج الخفي الذي له تأثيره على التعليم. وأتذكر موقفاً آخر عندما عرضت على معاليه أهمية إدخال عدد من الصحف اليومية في المدارس، كنوع من التثقيف الوطني، بعد أن لاحظنا افتقاد مكتبات المدارس لأي مجلات أو صحف أو كتب لها علاقة بالحراك الوطني، فاستحسن الفكرة، وكلفني بالاتصال برئيسَي تحرير صحيفتي الرياض وعكاظ، وفعلاً تواصلت مع الأستاذ تركي السديري والأستاذ هاشم عبده هاشم، واستحسنا الفكرة بوجود استاند داخل كل مدرسة، وعددها آنذاك عشرة الآلاف مدرسة، وطلب معاليه عرض الفكرة في الاجتماع الأسبوعي، لكن المشروع جوبه بمعارضة من بعض المسؤولين آنذاك، وكأنني أريد إدخال البرافدا الروسية أو يديعوت الإسرائيلية، فأجهضت الفكرة وانتهت. وأذكر أنني قلت هذه صحف وطنية تحمل أخبار ولاة الأمر وما يحدث في الوطن من مشاريع وحراك، وفيها كتاب ومثقفون من أبناء هذا الوطن، وفرصة لربط الطالب بما يحدث في وطنه، لكن المشروع توقف قبل أن يبدأ. لكن معاليه واصل حراكه بطرق أخرى، منها لقاءات ولاة الأمر وأمراء المناطق بالمسؤولين والمعلمين والطلاب، فدارت لقاءات وحوارات وندوات وحفلات، شارك فيها الآلاف من الطلبة والمسؤولين والمعلمين، وحظيت بقبول وتقدير وارتياح من ولاة الأمر الذين سعدوا بالتواصل مع التربية ورجالاتها وميدانها، وهم المعلمون والطلاب. وللأسف ظل الهجوم عليه مستمراً من البعض حتى تمت إقالته من منصبه، واتُّهم اتهامات كثيرة، تضرر منها، وكان يتألم من سوء الظن، لكنه لجأ إلى ربه، وكان متسامحاً، لم يستغل منصبه وعلاقاته للانتقام والإيذاء. استقطاب الكفاءات كان الدكتور الرشيد يعشق النجاح، ويرحب بالمميزين وأصحاب الكفاءات، ولم يكن يخشى الأقوياء ومن يعارض توجهه. وهو من نوعية القيادي الذي يأخذ بيد الآخرين، ويفرح لهم، ويقدمهم، ولا يخشى منافستهم، بعكس بعض القياديين في الوطن العربي، الذي يهاب الأقوياء، ويتجنبهم، ويستقطب الضعفاء قليلي الحيلة الذين يسيرون على هواه، بينما أبو أحمد كان حريصاً على استقطاب الأفضل والأميز دون النظر لاعتبارات الميول أو الهوى أو الذاتية، وكان لي شرف التشاور معه، فكان أحد ألمع علماء الآثار الأستاذ الدكتور سعد الراشد وكيلاً للآثار والمتاحف، وكان الدكتور ناصر الموسى أحد ألمع خريجي أعرق الجامعات الأمريكية للتربية الخاصة، وكان هناك خريج ستانفورد التربوي القدير الدكتور حمد البعادي مسؤولاً عن الموهوبين، وكان الدكتور عبدالواحد الحميد والدكتور خالد بن حمد العنقري والدكتور خضر القرشي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكان هناك الدكتور إبراهيم الدوسري المرجع في اختبارات القياس وخريج جامعة ويسكانسن مدسن، وكان هناك الدكاترة عبدالرحمن المديرس وصالح الدوسري وأحمد السناني وعبدالله الهذلي وعبدالله المسعودي، وغيرهم، مع كفاءات إدارية قديرة، مثل الأساتذة أحمد الأحمد ويوسف القبلان وناصر العبدالوهاب، إضافة إلى الكفاءات الموجودة في الوزارة، ومنحها الثقة والمسؤولية مثل الدكاترة عبدالعزيز الثنيان وسليمان الزايدي وإبراهيم الشدي وخالد العواد ومحمد حسن الصايغ ومحمد العصيمي ومحمد الرويشد وعبدالله المعيلي وعبدالعزيز الدبيان ومطر رزق الله وبهجت بن جنيد وعبدالله الهويمل ومحمد اللحيدان وعلي الخبتي وحمد الشغرود وأحمد الدعجاني، وغيرهم. كما أن معاليه محل ثقة ولاة الأمر، وكان له نصيب في ترشيحات لمناصب في مجلس الشورى وغيره لثقتهم في اختياراته وحرصه على توسيع دائرة الاختيارات التي كان يخضعها للكفاءة، وليس لاعتبارات أخرى. الأمير نايف والرشيد كان الدكتور الرشيد يكن للأمير نايف كل التقدير والولاء والإعجاب والإخلاص، وممتناً لقيم وأخلاق وتواضع وشيم الأمير نايف. وكان الأمير نايف - رحمه الله - يقدر الدكتور الرشيد؛ ولهذا حرص على أن يكون لقاؤه سنوياً مع قيادات الوزارة، وأن يدور حوار بين سموه ومسؤولي التربية، يمتد لساعات، يخرج فيها مسؤولو التربية سعداء بوعي واطلاع وثقافة الأمير نايف. وعندما تشرفت بطلب سموه الكريم - رحمه الله - للعمل في وزارة الداخلية وجدت ضيقاً وانزعاجاً من معالي الدكتور الرشيد، واستغرب ذلك، وربما هناك من أخبره بأنني قد تقدمت لهم كون شرف العمل بالداخلية منتهى الطموح بوجود الأمير نايف نفسه. فقال الدكتور محمد أنت للتو تمت ترقيتك للمدير العام للإعلام التربوي بالمرتبة الرابعة عشرة، ومناط بك مهام كثيرة، فكيف تتركنا وتذهب؟. ولاحظت انزعاجه، وتوقع أن ذلك بتصرف مني، فأقسمت له بالله أنني لا أعرف أحداً بالداخلية، وأن لقائي بسمو الأمير نايف كان يتم في لقاءات رسمية بالمصادفة، سوى أنني حظيت بخطاب شكر منه - رحمه الله - على برنامج دعوة للحوار، وبالتالي فالأمر بيد معاليه، له أن يتخذ ما يراه، وكان قد بيت النية للاعتذار للداخلية، وفي المساء تغير الحال؛ إذ اتصل بمعالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري رجل الحكمة والقيادة - رحمه الله - وقال له اتصل بالأمير نايف، وأخبره بأن منسوبي التربية تحت تصرفك، وليس المصيبيح وحده، وكتب خطاباً بالموافقة، وكانت انطلاقة أروع وأجمل من الدكتور الرشيد بصفاته الرائعة إلى قمة الوعي والفكر والحكمة والحلم والإنسانية نايف بن عبد العزيز؛ إذ أمضيت معه قرابة أربعة عشر عاماً، كان فيها كثير من التقدير لمعالي الوزير الرشيد والثناء عليه وحسن استقباله وأخذ شفاعاته أو توصياته أو رؤاه بكل التقدير والاهتمام، وبعضها كنت وسيطاً بينهما، وأذكر ــ والله على ما أقول شهيد ـ أن سموه - رحمه الله - ردد أكثر من مرة في آخر حياته ثناءه وتقديره لمعالي الوزير الرشيد، وأنه رجل وطني ومخلص، وقد خسرته التربية. وأتذكر أن الدكتور الرشيد كان سعيداً بعد مقابلته للأمير نايف - رحمه الله - ومبايعته ولياً للعهد، وأن الأمير بعد أن تلقي سلامه ومبايعته اعتذر بلطف للدكتور الرشيد عن عدم تمكنه من تعزية الدكتور الرشيد في وفاة والدته - رحمها الله - وكان في حالة إعجاب وذهول؛ إذ كيف يتذكر ولي العهد في تلك الأحداث المهمة ووقت المبايعة في قصر الحكم تعزية الدكتور الرشيد في والدته، وكرر ذكر ذلك مراراً لي - رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته. نظافة اليد والأراضي كان الدكتور الرشيد محل ثقة وتقدير ولاة الأمر، وكانت طلباته المادية مجابة للثقة فيه، وأتذكر في أحد لقاءاتنا بالأمير سلطان - رحمه الله - أن شرح له الحاجة لتأليف كتاب عن الآثار والمتاحف بطلب من الدكتور سعد الراشد، فعمد مكتبه لدفع القيمة، وكانت ثلاثة ملايين ريال، وكان معاليه ضمن لجنة عليا في مكتب الأمير سلطان، تدرس ما يُحال لها، وكان له دور في تأسيس وطباعة الموسوعة العربية العالمية التي تكفل بها الأمير سلطان بمبالغ فاقت الخمسة والعشرين مليوناً، وكان رغم ضخامة مشاريع الوزارة إلا أنه ظل نقياً نظيفاً نزيهاً، يواجه أصحاب المصالح والأهواء، ومنهم من يطالب بتحرير مرافق أراضي المدارس وتحويلها لملكية خاصة بهم، وكانت مبالغها بملايين الريالات، وله حق الموافقة، إلا أنه كان له وقفته الخاصة بأن هذه الأراضي خصصت لمدارس في الأحياء، وحتى لو تبدت عدم الحاجة لها الآن، لكن ماذا عن المستقبل؟ وماذا سيقول الأولاد والأحفاد عندما نفرط في أراضٍ وُضعت مدارس لهم؟ ولهذا رفض التصرف بأي أرض، وأن تبقى مدارس كما وضعت، مع أنه صاحب خيار في الدخول مع أصحاب المصالح والظفر بالملايين كما يفعل أصحاب الذمم الرخيصة. وأذكر أنني كتبت له عن حاجتي لقرض عندما كنت أبني منزلي، فكتب لي رسالة رقيقة - رحمه الله - بخط يده بأنه لا يزال يسدد أقساط منزله الذي اشتراه بمساعدة أحد أقربائه، وكان ذلك وهو في منصب الوزارة، ولديه من الصلاحيات الكثير. المشروبات الغازية اهتم الدكتور الرشيد بالمقصف المدرسي وبصحة الطلبة، ولاحظ إقبال الطلبة على المشروبات الغازية وانتشارها في المدارس، فتدارس ذلك مع المسؤولين في الوزارة، وتوصل الجميع إلى قناعة مفادها خطورة المشروبات الغازية، وتم الاستشارة بأطباء متخصصين، وتم إيقاف ومنع المشروبات الغازية واستبدالها بالحليب والعصائر المفيدة، كما تم إيقاف المسليات والمطعمات المضرة؛ فثارت ثائرة أصحاب هذه الشركات، وراجعت الوزارة، واستخدمت فنون الضغوط على الوزير، لكنه رحمه الله وقف بشجاعة، وأصر على موقف الوزارة، واستمر الحليب والأكل المفيد، وتم منع المشروبات الغازية والأكل الضار، ولا أدري عن واقع الحال الآن. احترامه للعلماء كان معالي الدكتور الرشيد كثير التقدير للمشايخ والعلماء، ويشركهم بالمشورة والرأي، ويشاورهم عند اجتماعات الأسر الوطنية للمناهج. وأذكر أن الأمير عبدالله بن فيصل بن تركي رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع سابقاً كان في زيارة للوزير، وكنت حاضراً، وكان هناك معلم لغة إنجليزية غيّر من منهج حياته إلى الدعوة، ودرس العقيدة على يد الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وتقدم المعلم بطلب للوزير لتحويله لتدريس الدين، وقبل دخوله المكتب رتب مع الشيخ ابن عثيمين بأن يتصل بالوزير، وكان الأمير عبدالله يطالب بإدخال اللغة الإنجليزية للتعليم الابتدائي؛ إذ يعانون من مخرجات التعليم للمتقدمين للهيئة، وأن يسرع الوزير في خطواته، وفجأة دخل المعلم بتوافق اتصال الشيخ محمد بن عثيمين على الوزير، وكان يطالبه بحذف اللغة الإنجليزية، وأنها ليس لها داعٍ، وأن على الوزير تحويل الشاب إلى معلم مواد دينية، فأخبر الوزير الأمير عبدالله، وشرح له نوعية الضغوط التي تواجهها الوزارة، وبالذات من علماء لهم قيمتهم واحترامهم. السبتية الأسبوعية أخبرني الدكتور أحمد بن زيد الدعجاني، الذي عمل لسنوات سكرتيراً خاصاً للوزير، وحالياً يعمل عضو هيئة تدريس في جامعة المجمعة، بأنني صاحب فكرة اللقاء الأسبوعي لمعالي الدكتور الرشيد بعد مغرب كل يوم سبت؛ إذ اقترحت على معاليه ذلك فاستحسنها وطبقها خلال عمله وزيراً، وكانت تجمع مختلف شرائح المجتمع، واستمرت طيلة حياته حتى ترك الوزارة بعد لقاء السبتية؛ إذ قابل محبيه وودعهم الوداع الأخير دون علم الجميع. ويقول المهندس عبدالله الفوزان أحد المقربين لمعاليه وأحد حضور السبتية الأخيرة إنه عاد من عزاء أسرة الدكتور أسامة عبدالرحمن - رحمه الله - وصلى المغرب، وجاءه رواد السبتية، ودارت حوارات جميلة، وأنه - أي الدكتور الرشيد - على نفس روحه وحيويته وبشاشته، وغادرنا، وبقي هو، ودخل لعائلته، وجلس يتناول كوباً من الزبادي، ثم فجأة أُصيب بالسكتة الدماغية رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. وكان يتحدث عن موت الفجأة، وأن هذا مريح للميت، ولكنه متعب لأهله ومحبيه، وكان يضرب مثالاً بوفاة الدكتور أسامة عبدالرحمن. التعليم الأهلي الدكتور الرشيد له علاقات واسعة مع رجال المال والأعمال، ولم يشعر بضغينة ثراهم؛ ولهذا تجدهم في مناسباته وأسبوعيته، واستفاد من ذلك في بناء بعض المجمعات التربوية، كما حدث في حالة مجمع سليمان العليان أو غيره، ولا أعلم لماذا توقف هذا المشروع، وهو تلقي مساندات رجال الأعمال للتعليم. واستفاد في تطوير المدارس الأهلية وتشديد الرقابة عليها، وكان هناك لقاء سنوي معهم لبحث العوائق وتطوير هذا القطاع، ولا ينسى المستثمرون في هذا القطاع تلك المرحلة المهمة في تاريخ التعليم الأهلي وتطوير المدارس العالمية وتحديث لوائحها وتشديد المراقبة عليها. وكان حريصاً على اللغة العربية، ووقف ضد تدريس المنهج باللغة الإنجليزية في المدارس العالمية والأهلية، وهي أمور تمت في عهد لاحق، ودارت مناقشات كنت أحد أطرافها؛ إذ اختلفت مع معاليه - رحمه الله - وتقبل وجهة نظري، وصدرت المقالات والرؤى في كتاب شامل عن هذا الموضوع. الحس الوطني كان معاليه حريصاً على المال العام، وكان يراعي الرأي العام في أمور كثيرة، وأذكر أنه في أول رحلة له خارج السعودية كنا أربعة برفقة معاليه لافتتاح الأكاديمية السعودية في بون، وكان ضمن البرنامج كلمة للأمير عبد العزيز بن فهد، ورغب سموه أن يعرض على الوزير الكلمة للتشاور في حفل ضخم، وكان من ضمن الحضور وزير الخارجية الألماني، وتضمن تبرع السعودية بمبلغ عشرة ملايين دولار، اقترحها السفير لتعزيز العلاقات بين البلدين، فرأى معاليه أن هذا المبلغ كبير، وكان في السعودية حدث لا أتذكره الآن، واقترح على سموه بعد مناسبة هذا التبرع احترام مشاعر المواطنين، واتـصل الأمير النبيل بخادم الحرمين الشريفين - رحمه الله - الملك فهد بن عبدالعزيز، وأخبره باقتراح السفير ورؤية الوزير، فصدر توجيهه باعتماد رأي الوزير لقناعته بوجهة نظره، وتم إلغاء التبرع، وهذا دلالة على حرصه على المصلحة العامة، وتقدير ولاة الأمر لوجهة نظره. الوقت والاختبارات كان الدكتور الرشيد جاداً منضبطاً، يحترم الوقت، ويحضر المناسبات وفق التوقيت المعد، وانعكس ذلك على الموظفين والعاملين معه، وتمر الساعات الطوال في عمل مستمر بل إنه قليل البقاء مع عائلته؛ لحرصه على الإنجاز، وأننا في تحدٍّ لتطوير التعليم، ولاحظ التكاسل وعدم الانضباط في المدارس عند بداية الإجازات ونهايتها، فتم ترتيب حملة تربوية بأهمية التقيد بوقت المدرسة، وعدم الغياب، وشهدت مختلف إدارات التعليم حزماً في هذا الأمر، وانتظمت الدراسة، وشاهدنا تقيد الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور بذلك حتى أصبحت سمة في عهده رحمه الله، بعكس الواقع الحالي؛ إذ يتأخر الطلبة أسبوعاً، وربما أكثر، ويتغيبون قبل نهاية الإجازة كذلك، بل بعض الطلبة يغيب الخميس وهو يجد التساهل من بعض المدارس. كما حرص معاليه على ضبط الدرجات بعد ملاحظته أن بعض المدارس تمنح طلاب الثانوية درجات كبيرة لمساعدتهم في المعدل، وبخاصة في المدارس الأهلية، فوقف بحماس ضد ذلك، وشدد المتابعة والمراقبة إلى أن جاء اختبار القياس؛ ليخفف من هذه الظاهرة، وهو يجابه بقوة ليعود الحال المائل كما كان. أمانة المعلم كان الدكتور الرشيد حريصاً على تطوير وتدريب المعلم، والرفع من شأنه، وتشجيع البارزين والمميزين، وكان يزور إدارات التعليم، ويلتقي بآلاف المعلمين، ويردد شعارات (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة) و(المعلم عصب الحياة التربوية). وكان يردد ويذكر أهمية أمانة التعليم، ويضرب مثالاً بالمواطن قبل عهد البنوك، ويكون لديه وديعة ومال مهم، ويريد أن يودعه عند أحد، فإنه يبحث عن أفضل الناس وأطيبهم وأجودهم وأكثرهم أمانة؛ ليضع المال عنده وأنتم وضع الناس أبناؤهم وفلذات أكبادهم لتعلموهم وتربوهم، فهل هناك ثقة أكبر من ذلك، وكان هذا المثل يجد صدى وحماساً عند المعلمين. وصية الوزير هناك الكثير من الموضوعات والمواقف عن تجربة الدكتور الرشيد وخططه لتطوير التعليم والمعلم والإدارة المدرسية والبيئة التعليمية، من مبانٍ وتجهيزات ومناهج، وغيرها، لكن المساحة لا تتسع لذلك، وأختم بوصيته - رحمه الله لأولاده، التي هي عبارة عن درس في القيم والأخلاق، ونظراً لعموميتها أنشرها لتعم الفائدة، وقد ذيلها بتوقيعه - رحمه الله. (وصية محمد بن أحمد الرشيد إلى أولاده بنين وبنات): يشهد الفقير إلى عفو ربه ورضوانه محمد بن أحمد الرشيد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الخالق الرازق المدبر، وهو المعبود، ولا معبود سواه، ويشهد أن محمداً بن عبدالله هو نبي الله وخاتم رسله وأنبيائه، وأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، ويؤمن بكتبه ورسله أجمعين، ويقر بأن الموت حق، والبعث بعد الموت حق، والجنة حق، والنار حق، وأن الله ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه، ولا يشركوا معه أحداً في عبادتهم، وأن عبادة الله تتمثل في إقامة الشعائر الدينية كما حددها الله في كتابه، وشرحها وأبانها رسوله الكريم، وكذا التمسك بالقيم والأخلاق الإسلامية الرفيعة، واتباع ما أمر الله به بفعله، واجتناب ما نهى الله عنه، والمساهمة الجادة في إعمار الأرض، والدعوة إلى الله بالحسنى. ثم بعد ذلك يوصي أولاده بأن يتمسكوا بدينهم الإسلامي القويم، وأن يكونوا متحابين فيما بينهم، متعاونين على الإحسان وفعل الخير، ويوصيهم بالبر بكل أقربائهم وبزيارتهم، ومعونتهم عند الحاجة، وكذا التواصل مع من له علاقة صداقة بوالديهم، والإحسان إليهم والتودد إليهم. كما يوصيهم بكثرة الدعاء لوالديهم ووالدي والديهم، والتصدق على المحتاجين والمعوزين، ويرجو الله أن يمدهم بعونه، وألا يجعل بينهم خصومة ولا جدلاً، ويحثهم على توطيد علاقة أبنائهم مع أبناء أعمامهم وعماتهم وأخوالهم وخالاتهم، وعليهم حسن العشرة مع أزواجهم وزوجاتهم، والتغاضي عن كل الهفوات التي قد تصدر منهم، ويوصيهم بتربية أولادهم على كل الفضائل والتمسك بالقيم، والإسهام في كل الأعمال التطوعية والوطنية، وأن يحببوا اللغة العربية لهم، والافتخار بها، والتميز في إتقانها.. وحذار حذار أن تكون المادة مثار شحناء بينهم يوماً، وألا يحمل أحدهم في قلبه ضغينة على الآخر بسبب ذلك. ويحثهم على الأخذ بمبدأ التشاور فيما بينهم في أمورهم كافة التي تحتاج إلى مشورة. كما يوصيهم بألا يقصر أحدهم في عون أخيه أو أخته عند الحاجة. والوصية الأهم ألا يعيش أحدهم في رغد والآخر في ضيق من العيش؛ لتستمر الحياة بينهم حباً وتعاوناً وتضامناً، وليكن ذلك كله ما ينشئون عليه أولادهم، ويوصونهم به، وكذلك أحفادهم. وأن الوصية فرض واجب على كل مسلم، وقد سبقنا الأنبياء والرسل الكرام بذلك، كما جاء عنهم في القرآن الكريم. والله هو الحفيظ السميع المجيب.