إذا كان الاتحاد السوفييتي قد اشتهر بأنه «سجن للمعلومات»، فإن روسيا بوتين قد تصبح كذلك قريباً، هذه باختصار هي الفكرة الرئيسية لكتاب «الشبكة الحمراء.. الصراع بين مستبدي روسيا الرقميين وثوار الإنترنت الجدد»، والذي يبحث تاريخ أنظمة المراقبة الرقمية في روسيا. فمن مختبرات البحث في معسكرات العمل خلال الحقبة السوفييتية، إلى تقنين المراقبة الحكومية للاتصالات عبر الهاتف والإنترنت خلال التسعينيات، إلى اليوم الحاضر، يكشف الكتاب الذي يحقق في مراقبة الكريملين للإنترنت مدى سهولة تحويل التبادل العالمي الحر للمعلومات إلى وسيلة قمع وحرب جيوسياسية. والواقع أنه حتى قبل وصول بوتين إلى السلطة، كانت شركات الإنترنت الروسية مرغمة على تركيب أجهزة تجسس، فيما يقول المؤلفان إنه استمراراً لجهود جهاز الـ«كي جي بي» السابق ، في التنصت على المكالمات الهاتفية. غير أنه إذا كانت شركات الاتصالات، في الغرب، تتعاون عادة مع السلطات عندما يكون في حوزتها إذن قضائي يحدد هدفاً معيناً، فإن نظام المراقبة في النظام الروسي عام لا يميز، وعندما وصل بوتين إلى الكريملين، انتزع السيطرة على التليفزيون من الأوليغارشيين، محولا قنواتهم إلى أبواق ممجدة للنظام، غير أنه على مدى أكثر من عقد من الزمن، ظلت الإنترنت في روسيا حرة بشكل عام. فقط عندما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أساسية بالنسبة لتنظيم أنشطة المعارضة، أخذت السلطات تتدخل. وخلال انتخابات 2011، أدت محاولة لإغراق «لايف-جورنال»، وهو المعادل الروسي لـ«فيسبوك»، إلى اختفاء صفحات يديرها مراقبو الانتخابات من الإنترنت، وإن جرى استنساخها بسرعة في أماكن أخرى. كما ظهرت في البريد الوارد لنشطاء المعارضة رسائل إلكترونية غير مرغوب فيها تحمل مرفقات مؤذية وتهدف إلى إصابة أجهزة الكمبيوتر ببرامج تجسس. غير أن رسائل قليلة فقط تم فتحها، وبالمقابل، حققت قائمة سوداء وطنية للمواقع المحظورة بعض النجاح، وأبدت شركات الإنترنت تعاوناً بشأن مراقبة المراسلات المشبوهة، على أن الأكثر إثارة للقلق ربما هو الاستعمال المتزايد لتكنولوجيا التعرف على الوجه، فأي شخص تصوّره الكاميرا، في مباراة لكرة القدم مثلا، يتم تسجيله ويحوّل وجهه إلى صيغ رياضية، ثم يخزن في قاعدة بيانات. ويتسارع سرد الكتاب مع وصول إدوارد سنودن، موظف وكالة الأمن القومي الأميركي السابق الذي سرّب مجموعة ضخمة من أسرار التجسس الأميركية، إلى موسكو. وإذا كان المؤلفان المدافعان عن الخصوصية وحرية الإنترنت، يبدوان حلفاء طبيعيين لسنودن، فإن هذا الأخير رفض التحدث إليهما. ولعل هذا عامل إضافي يفسر انتقادهما الشديد له باعتباره «منافقاً» و«بيدقاً» في يد نظام يمارس الانتهاكات نفسها التي يزعم هو وأنصاره أنه يحذر منها في أميركا. ومن خلال سرد طويل يمتد لأكثر من نصف قرن، يسلط كتاب «الشبكة الحمراء» الضوء على الخيوط العديدة التي تربط روسيا اليوم بماضيها العنيف والاستبدادي. ولعل أقواها قبضة أجهزة الأمن التي لم تهتز حتى خلال التسعينات، والتي كانت فترة مضطربة وأكثر ديمقراطية. ومع ذلك، فإن أجهزة الأمن الروسية تبدو خرقاء في محاولتها السيطرة على الإنترنت، حيث يجد النشطاء دائماً طرقاً للالتفاف على القيود المفروضة والمراقبة المنتهكة للخصوصية، وفي هذا الصدد، يقول المؤلفان إن النظام يبدو يائساً أمام شبكة لا مركزية «تتحرك فيها المعلومات بحرية على الشبكة مثل الماء أو الهواء». ... المزيد