×
محافظة المنطقة الشرقية

الوديات تسفر عن تعادل النصر وفوز الوحدة

صورة الخبر

حكاية فلسطين هذه المرة مختلفة، تدركها بطريقة تشبه وقوفك أمام لوحة فنية تشكيلية ضخمة، تنتظر راسمها كي يشرح لك ماهيتها. فلسطين في فيلم المريخ عند الشروق للمخرجة الأميركية من أصل لبناني جيسيكا هابي، تم اختصارها بفنان وريشته التي حاول من خلالها تحدي منظومة الظلم والاضطهاد والحرب التي من الواضح أنها لن تنتهي. بطل الفيلم علي سليمان بأدائه حكاية بحد ذاته اتسق بطريقة لا يمكن فصله عن أحداث الفيلم التي تدور حول الشخصية التي لعبها أستاذ الفنون خالد، فاستطاع سليمان بطل الفيلم الاماراتي زنزانة للمخرج ماجد الأنصاري والذي سيعرض قريبا في الدورة 12 من مهرجان دبي السينمائي، أن يؤدي دور شريحة الفنانين والمثقفين الذين يعتبرون أن لوحاتهم و أشعارهم وروايتهم بحد ذاتها سلاح في وجه الظلم. سليمان والحديث سيكثر عنه لأنه الأبرز في الفيلم والذي حصل أخيرا على جائزة أفضل ممثل عن هذا الدور في مهرجان الاسكندرية، قدم دورا استثنائيا مع نص فانتازي يختلط فيه الواقع مع الخيال، وهذا الشيئ طبيعي خصوصاً اذا كان بطل الحكاية فنان تشكيلي ، أراد يوما أن يحكي قصة وطن كامل من شماله إلى جنوبه ، أراد مناصري الدولة الصهيونية تفرقته ليس فقط من خلال جدار بل بلون الهوية الزرقاء والخضراء، الأستاذ خالد وهو من غزة يعيش في القدس وعائلته في رام الله، اصبحت اقامته في القدس مخالفة وعليه الرحيل مع أنه يقطن بمنزل يملكه ، يقف أمام طلابه مودعا ومرحبا بمعلمة الفنون الجديدة، وسؤال الطلاب ليش بدك تتركنا سألها أن تعطيه هويتها ولونها أزرق، وأظهر هويته الخضراء وقال في فرق كبير بين هويتها الزرقاء وهوتي الخضراء، عملوها عشان يفرقوا بينا ، هي مثل جدار عالي كثير وعنصري، عكس الحلم والخيال والابداع، وأكمل في مشهد من الصعب أن يمر دون أن يعلق بالذاكرة اللي معه الهوية الخضراء بشوف الجبال بس بيشتاق للبحر، واللي معه هوية غزة بشوف البحر بس بيشتاق للجبال، أما اللي معه الهوية الزرقاء بشوف كل شي بس بضل عنده حنين، وراح ييجي يوم راح تختفي هاي الهويات للأبد من الممكن أن يكون ذلك المشهد هو الأساس الذي ستبنى عليه القصة الكاملة، بين خالد و ايال من جيش الاحتلال الاسرائيلي ، والذي شاءت الصدفة أن يكون هو الآخر فنان، تراه عندما يلقي القبض على خالد يتفنن بتعذيبه لأنه ببساطة امتهن التعذيب ونسي ريشته على عكس خالد الذي يسخر منه دائما عندما يؤكد له ايال أنا كمان فنان لكن الحقيقة أن الفن والألوان هي التي خلقت روح التحدي لدى خالد عندما ألقاه ايال في غرفة صغيرة اشبه بالقبر، وفي المقابل وبسبب احساس ايال أنه فقد ريشته لأجل الدفاع عن ما يسمى اسرائيل فقد روحه معها وتحول إلى مجرم. يبدأ الفيلم مع خالد يركب سيارة واقفة ضمن صف طويل، أمام حاجز، ومشهد عام يظهر المنتظرين وهم يمارسون ذلك الوقت بشيئ مفيد، يشربون القهوة، يطيرون طائرات ورقية، يبيعون المرطبات، وثمة فتاة تظهر تكتب ما تراه عبر أشبه بالمذكرات، فتاة أميركية اسمها أزال وهي من أصل ايراني ومعنى اسمها حرية، تركب معه سيارته من حاجز إلى آخر، يتوقفون حسب مزاج الجنود الاسرائليون، وهذه المرة قرر الجندي أن يأخذ قيلولة، مما جعل خالد يتمعن فيه ويقول لأزال انه هو الجندي ايال، لتقرر المخرجة أن تعود بخاصية الفلاش باك لتروي حكاية خالد، وهي حكاية فلسطينية مبنية على معركة بين صاحب حق صدف أن يكون لديه الخيال لأنه فنان وبين قوة غاشمة تنحرف كثيرا أمام هذا الخيال المبني على حلم الأرض واصحابها حتى لو امتلأت شوارعها ببزات عسكرية ودبابات وقنابل ورشاشات . القيمة الفكرة في الفيلم تظهر بشكل قوي في الزنزانة التي تشبه حجمها حجم قبر، ايال يشعرك طوال الفيلم أن هدفه من حبس خالد بهذا الشكل هو أن ينسيه الرسم، هدف له علاقة بماضي ايال نفسه الذي كان يحلم وهو شاب أن يصبح فنانا، لكن عن ماذا كان سيرسم؟ سؤال من الممكن أن لا تجد اجابة عليه، فمن ليس له ماض في المكان مرتبط برائحة وضحكات وصور معلقة على الجدران لأجيال من العائلة لن تكون رسماته سوى تعبير عن موهبة غير مقترنة بحالة، خصوصاً وهو يرتدي البزة العسكرية ويعترف بقتله لطفل، هنا اللون الأحمر يظهر بشكل تراجيدي، ودائما هذا اللون ينذر بالموت، على عكس خالد صاحب القضية صاحب الحق، صاحب المنزل الذي طرد منه، هو يستطيع ببساطة أن يستخدم كل الألوان لأن يعيش بمكان فيه البحر والجبل وحتى الصحراء، هو يريد أن يثبت لايال أن الجدار لا وجود له بالروح، وهنا تكمن القوة. الزنزانة في الفيلم كناية عن السجن الكبير الذي يعيشه الفلسطيني، ومع ذلك ما زالوا على قيد الحياة وما زالوا على قيد الحلم، على الرغم من أن المخرجة هابي حاولت أن تظهر الجندي ايال أنه بتقرير مصيره كقاتل و كمعذب لم يكن بيده وهو كان يحلم بأن يصبح فنانا وفقط. التحقيقات جارية ، وايال ما زال يطرح نفس الأسئلة، وما زال خالد يجيب، ويعد الأيام التي قضاها في المعتقل، الذي حوله في مخيلته إلى لوحات فنية كثيرة، فيها مشاهد لامرأة تعزف على الكمان بكامل أنوثتها، وبحر، والكثير من المشاهد الملونة التي تم ترجمتها عبر كلام اشبه إلى الشعر، هو يريد الصمود في هذا القبر، لذلك بدا ينسج الخيال، ومن خلال مشهد عابر بينه وبينه ايال، تدرك أن القاضي اتهم خالد بأنه من الحزب الشيوعي أو من حماس، وهنا الاستهزاء بطريقة ذكية من القضاء الاسرائيلي الذي يدعي عدله، يضحك خالد بمشهد فانتازي وكأنه داخل شاشة تلفاز ينظر اليه ايال كتفرج أنا حماس، كيف، أنا ملحد اصلا، أنا فنااااان ، هذا العنفوان نفسه كان حاضرا وهو يقول أنا من غزة، ويشد على مخارج الحروف، ليظهر الرعب في عين ايال . مشاهد كثيرة في الفيلم توضح الانتهاكات الاسرائيلية لأبسط حقوق الفلسطينيين، ومشاهد عائدة للوراء ايضا تخص الجندي ايال، خصوصاً عند نقاط التفتيش، وحوار وهمي يبنيه بينه وبين المصطفين، والسئلة التي يدرك أنها تدور في خلد الفلسطينيين أنت أصلا من وين جاي، وقوته المتمثلة بسلاح يحمله في وجه قوة تكمن في فقط في العيون اذا ما تلاقت بشكل مباشر مع العدو. يتم الإفراج عن خالد بعد الفشل في تجنيده لصالح اسرائيل، يهرول سريعا ويديه مقيدة بحبل عتيد، في هذا المشهد تحديدا ، خصوصاً عندما وصل إلى مخبر وطريقة الخباز وهو يفك قيده ويسقيه الماء، ربما تكون دلالة واضحة أن أن القيد عندما تحرره من يد ابن بلدك يكون وقعه مختلف. والسؤال هل استطاع ايال أن يحرم خالد من العودة إلى الرسم مرة أخرى؟ نعم استطاع ولو لأجل غير مسمى، لكن المشهد الأخير في الفيلم الذي يعود إلى الواقع وخالد يحاول أن لا ينتبه له ايال على الحاجز، لكن ايال يعرفه بل و يلحق به ويركب سيارته من الخلف، ويقرر فجأة الخروج منها، هي رسالة واضحة أن المعركة لم تنته بعد، لأن ريشة خالد ما زالت موجودة في منزله مثل مفاتيح البيوت التي استوطنها الأغراب التي ما زالت معلقة في صدور الأمهات. للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.