قَبَل أيَّام كَتبتُ تَغريدةً عَلى شَكلِ نَاصيةٍ، تُحاولُ أنْ تُبيّنَ المَوقفَ مِن النَّصَائِحِ، قُلتُ فِيهَا عِبَاراتٍ مِثل: «أَنْصَحُ بمُتَابعتهِ، أَنْصَحُ بقِرَاءتِهِ، أَنْصَحُ بمُشَاهدتِهِ».. كُلّهَا عِبَاراتٌ تَدلُّ عَلى أنَّنَا «مُجتمعٌ نَصائحيٌّ»، نَنصَحُ الآخرينَ بِمَا يَجبُ عَليهم فِعلَهُ..! بَعدَ هَذه التَّغريدَةِ، وَجدتُ الهجُومَ عَنيفًا، وكَأنَّ المُجتمعَ -في أَغلبهِ- بَدَأ يُؤمنُ أنَّهُ يَجبُ أنْ تُفرضَ عَليهِ الوصَايَةُ، وأمَّا هَذَا الهجُومُ الذي يَتوشّحُ بالأدلّةِ الدِّينيّةِ، فإنَّ لكُلِّ فِعلٍ رَدّةَ فِعلٍ، لذَلكَ استَنْهَضتُ قُوَايَ، ورَجعتُ إلَى القُرآنِ الكَريمِ، فوَجدتُ أنَّ قصّةَ طَردِ آدَمَ وحوَاءَ مِن الجنّةِ؛ كَانَ بسَبَبِ وَسوسةِ الشّيطَانِ، الذي أَقْسَمَ لَهمَا قَائلاً: (إنِّي لَكُمَا مِنَ النَّاصِحِينَ)، وهَذَا يُثبتُ أنَّ بَعضَ النَّاصحينَ لَا يُرشدونكَ إلَى الصَّوَابِ والرّشَادِ، حتَّى لَو أقسَمُوا برَبِّ العِبَادِ..! إنَّ القَلمَ هُنَا لَيسَ ضِدّ النَّصَائِحِ، بَلْ مَع فَلترتِهَا، ويَجبُ أنْ نَتحرَّى النَّصيحَةَ، ولَا نَأخذ مِن أيِّ نَاصِحٍ، لأنَّ تَجَاربِي تُخبرنِي أنَّ مَن يَملكُونَ النَّصَائِحَ السَّديدةَ، والآرَاءَ الرَّشيدةَ، لَا يَمنحونهَا مَجانًا، بَل يَجبُ أنْ تَدفعَ لَهُم المَبالغَ الطَّائِلَةَ؛ حتَّى يَستمِعُوا إليكَ لمُدّةِ دَقائق، ويُعطونَكَ نَصيحةً سَديدةً في ثَوانٍ مَعدودةٍ، تُؤثّرُ إيجَابًا عَلى مَا تَبقّى مِن حيَاتِكَ، كَمَا أنَّ حَقَائقَ الحيَاةِ تُخبرُنَا: أنَّ أكثَرَ النَّاسِ جُرأةً عَلَى إسدَاءِ النّصَائِحِ، هُم أقلّهُم خِبرَةً في الحيَاةِ، أمَّا الذينَ يَعرفُونَ قِيمتهَا فلَا يُسْدونَهَا إلَّا بَعدَ التّعبِ، والمَشقّةِ والإلحَاحِ..! أكثَرُ مِن ذَلكَ، إنَّ كَثيرًا ممّن يَنصحونكَ، هُم في الحقيقَةِ يُريدُونَ أن يُثنُوا عَزيمتكَ، ويَحدُّوا مِن طمُوحِكَ ونَجَاحِكَ وانطلَاقِكَ، وقَدْ انتَبَهَ إلَى هَذا المَعنَى أَحَدُ الشُّعرَاءِ؛ حِينَ نَصحَهُ النَّاسُ بالتَّوقُّفِ عَن طَلَبِ المَعَالِي، وتَحقيقِ النَّجَاحِ، فقَالَ لِمَن نَصحَهُ: لَوْ كَانَ نُصحُكَ حَقًّا كُنتُ أَقبلُه لَكِنّ نُصحكَ مَبنيٌّ عَلَى الحَسَدِ حَسنًا.. مَاذَا بَقِي؟! بَقِي أنْ نُؤكّد أنَّ النّصَائِح -في الغَالِب- يُهديها الجُهلَاء، ولَا يُقدّمها العُقلاءُ، وقَد اختَصر الحِكَاية الفَيلسوف «بيلي» حِين قَالَ: (لَيسَ كُلُّ الذِينَ يَسْدُونَ أفضَل النَّصائِحِ هُم أفضَلُ النَّاسِ)..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com