يمثل الشاعر المصري أحمد بخيت نسيجاً فريداً بين الشعراء العرب المعاصرين، لما يمتلكه من قدرات شعرية قوية راسخة أعطته خصوصيته، ولفتت إليه النقاد أولاً ثم الجمهور ثانياً، وقد وصف في بداياته بأنه شاعر يرحب به النقاد ويهاجمه الشعراء، وذلك لأنه استطاع أن يجمع بين الحداثة الشعرية من حيث الرؤية والتصوير، والأصالة الشعرية من حيث الإيقاع والمفردة، وأن يعطي للقارئ مفاتيح سلسة للولوج إلى فضائه الشعري من دون عناء، هكذا بدأ هذا الشاعر الموهوب مسيرته الشعرية في منتصف الثمانينات على مقاعد الدراسة الثانوية ثم الجامعية، فأصدر ديوانين، وحصل ديوانه الثالث وداعاً أيتها الصحراء 1998 على إعجاب النقاد، كما حصل في السنة نفسها على جائزة عبد العزيز البابطين في الكويت عن قصيدة وداعاً أيتها الصحراء من الديوان نفسه، وظل بعدها ينشر دواوينه وقصائده، ويؤكد تميزه. في قصيدته المذكورة تتبين أسس هذا الشاعر المحترف، ففيها برز اشتغاله الشامل الذي لايغفل عن جانب من جوانب القصيدة، حيث يضع القصيدة في فضاء رؤيوي موحد فكرياً ووجدانياً، ويبرع خلال ذلك في استغلال الرموز والإشارات والصورة الشعرية البكر التي يستلها من واقعه، فتشارك كل تلك التقنيات في صناعة التوليفة الرؤيوية التي يريدها، وصناعة المعاني العميقة المتشربة بوجدانية دافقة، تجعله لايكتب أفكاراً خالصة وإنما يسطر جزءاً من قلبه وأحاسيسه الدفينة. يستعين بخيت بأنواع الأساليب السردية، والتقريرية والطلبية التي يناوب بينها في كل حين ليكسر الرتابة، وتتنوع مفردته بين مجالات منها الثقافي والشعري والعادي لكنها تظل دوماً منسجمة مع فضاء الجملة والمقطع الذي ترد فيه، ومن ناحية الإيقاع فبخيت أحد سادة الإيقاع، في اختياراته صدى موسيقي، فهو لا يكتفي بموسيقى البيت أو التفعيلة والقافية، بل يشتغل على موسيقى الحرف والجناس والتقابل والتكرار، لكي يصنع ترديدات حافلة بإيقاع يتناسب وتجربته المتصاعدة بتفريعاتها المختلفة، يقول في مقطع منها: أجيئك فارغاً من كل حلمٍ/ وممتلئاً كقُبّعة الحُواة/ من الوعظ الجبان، من الأغاني/ من الخُطب التي التهمتْ ثباتي/ ومن كتب الحماسةِ والأمالي/ ومن أشهى أكاذيبِ الرواة/ من اللغو المحنَّط في حواشٍ/ على متنٍ لألغاز النُّحاة/ ومن صوف الدراويشِ، التكايا/ دفوفِ الزارِ، شعوذةِ الرُّقاة!/ من الحبّ الذي لا حبَّ فيهِ/ من الجسد المهيَّأ للسُّبات/ من النَّقَب، الجليلِ، القدسِ، يافا/ من النيل الكظيمِ إلى الفرات. لقد كان من إيجابيات برنامج أمير الشعراء أن يعرف القارئ العربي إلى أحمد بخيت، وطائفة أمثاله من الشعراء منهم لطيفة الحاج ومحمد ولد الطالب وجاسم الصحيح، من الذين استطاعوا أن يختطوا لأنفسهم أساليب راسخة في الأصالة طويلة الباع في الحداثة، يعطي إنتاجها للشعر بهاء واستمرارية في زمن طغت فيه نماذج مموهة خادعة بعيدة عن أصالة الشعر وروح الحداثة فيه. dah_tah@yahoo.fr