كانت رصاصتان، واحدة أطلقها الداعشي "سعد" وقتل ابن عمه، والأخرى كانت عبارة " تكفى يا سعد".. قتلتنا جميعا. مشهد قصير جعلنا نرى أبشع صور الغدر.. جعلنا نرى كيف يقتل الشاب ابن عمه باسم الرب.. يقتله ومن ثم يكبر بفخر، يقتله متجاهلا كل صرخات الاستجداء التي أطلقها ابن عمه اليتيم الذي شاركه طفولته في بيت واحد، وأب لم يصدق أن أبناءه الذين شاركوه مجلس العيد يقتلون ابن عمهم الذي رباه معهم. يقول والد الداعشي "سعد" إن ابنه كان يمكث الوقت الطويل على الإنترنت، وإنه كان يعتقد بأنه يفعل ذلك من أجل إدمان المقاطع الإباحية، وإنه نصحه بأن هذا الشيء خاطئ ولم يدر بخلده أبدا أن كل ذلك الوقت الذي كان ابنه بعيدا عنه كان يخضع لعملية تغيير كبرى بوسعها أن تعكر صفو عيد الشعب السعودي والعربي، بل صفو عيد كل المسلمين. عملية التغيير الفكري التي خضع لها هذا الشاب لم تكن الأولى في تاريخ الإرهاب، ولكنها عملية تغيير متقدمة وسريعة مسخت شابا لم يطل الوقت منذ تخرجه من المدرسة العامة ليتحول إلى وحش لديه الاستعداد أن يقتل ابن عمه اليتيم الذي تربى معه في المنزل نفسه، ليس لشيء سوى لأنه عسكري متدرب يطمح لخدمة دينه ووطنه. في الوقت الذي يجاهد فيه الوطن لحفظ استقرار دول الجوار عبر دعم الشرعية للحكومة اليمنية، ومناصرة الشعب السوري، والدفاع عن القضية الفلسطينية ودعم كل ما فيه مصلحة الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، نجدنا في حاجة ماسة إلى إطفاء شرارة الفكر الداعشي الذي بات يهدد وحدتنا وأمننا، وذلك عبر رحلة طويلة وجادة يشارك فيها الوطن كله ولا يتوقف حتى نعود إلى طبيعتنا التي ترفض التطرف والتشنج. الفكر المتطرف لم يعد يأتينا عبر داعية يعتلي المنبر ليمجد القتل ويكفر المسلمين ويبيح ترويع الآمنين، أو عبر معلم يختبئ خلف أبواب الفصول يعبئ طلابنا ضدنا ويحثهم على الانتقام من الحياة، ويرسخ في عقولهم أن الدين هو التشدد والترهيب ويرهبهم بعذاب النار ويتجاهل تذكيرهم بفضل الصدقات وحكمة الزكاة والأمل في الحياة.. كل هذا انتبهنا له وحاصرناه منذ أيام عمليات القاعدة الإرهابية التي أصبحت طريقتها وخططها واضحة لدى وزارة الداخلية لتستبقهم بالقبض عليهم قبل تنفيذهم عمليات التفجير، ولم تعد مجدية تلك الطرق التقليدية والقديمة لنشر فكر متطرف حديث كفكر داعش "توأم فكر القاعدة" في الوقت الحالي، ولذلك تجدهم يتجهون نحو التقنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبرامج الفيديو وبإخراج محترف يعرف كيف يؤثر في الشباب ويوهمهم أن "داعش" الحل لإعادة أمجاد الخلافات الإسلامية التي لم تقم في ذلك الوقت إلا بالعدل والأمان والعلم، وهو ما تدحضه تصرفات هذه العصابات التي لا تؤمن بالعدل ولا بأهمية العلم الحديث، ولا يمكنها أن تصنع الأمان في أي موقع توجد فيه أو ترسل إليه فكرها عبر تضليل الشباب وحثهم على الإرهاب والقتل، وقد شاهدنا كيف جعلوا هذا الشاب يقتل ابن عمه دون رأفة ودون أن يستجيب لصرخاته "تكفى يا سعد، تكفى يا سعد". ما رافق الحصار الأمني لمنافذ الفكر الإرهابي سابقا هو توعية الشباب بمخاطر هذا الفكر وتثقيفهم وكشف أساليب الإرهابيين، وهذا ما يجب المواصلة عليه.. أن يرافق حصار مواقع الفكر الإرهابي الإلكترونية من قبل الدولة توعية الآباء والشباب بأهداف هذه المواقع وكشف حقيقتها، حتى نصبح صفا واحدا لا يمكن لهم اختراقه وزرع الفكر الفاسد بين شبابنا وتحريضهم على القتل والإرهاب. حسن النية وبرامج المناصحة للشباب الذي يحمل الفكر الإرهابي ومحاولة علاجهم لم تعد كافية، بل إنهم مثل إبهام زوربا اليوناني التي قطعها لأنها كانت تزعجه على الدولاب الذي يصنع منه الفخار، وأنها كانت تقف وسط كل شيء وتفسد عليه خططه ولذلك أمسك بالفأس وقطعها، وبعدها أصبح يشعر بالحرية، ولم يعد هناك ما يعكر صفوه وهو يعمل على دولاب الفخار، ونحن إذا لم نستل الفأس ونقطع هذا الجزء منا الذي يقف بإزعاج أمام دوران دولاب حضارتنا ووطننا فإننا سنبقى متعثرين بسببهم إلى الأبد.