أثارت فيّ تجربة امرأة سعودية منظِّمة للرحلات الداخلية إرشاداً وتنظيماً وتسويقاً وتوثيقاً، الإعجاب، الدهشة وأيضاً المرارة. فالسيدة سلوى القنيبط، والتي سبق أن تحدثت عنها على عجالة في مقال سابق، تستوقفك لتتحدث عنها بتأن. لن أبدأ بأسطوانة "أول" امرأة وكأنه اختراع ومما يثبت أننا ما زلنا في آخر سلم الركب، ولكني أبدأ بأنها امرأة بدأت عملاً من الصفر لم يُسمع به من قبل لا بين النساء ولا الرجال في بلدنا. عملاً لم ينبثق من تخصص في الآثار أو التاريخ أو السياحة، وإنما انطلق من حب الوطن وحب الاستمتاع به والمشاركة به مع من يُقدّره ويرغب في أن يتعلم منه. فبالترخيص لها من هيئة السياحة والآثار أخذت سلوى منذ بضع سنين تنظم رحلات إلى أماكن تبدو لك عادية، فتتحول بجدولها المعدّ بعناية إلى فرجة سياحية ومتعة بامتياز. كانت تأتيني رسائلها التنويهية على مجموعتها البريدية التي كنت مشتركة فيها منذ بدأت قبل ثلاث سنوات (في 1أكتوبر2010) وأنا أعتقد أنها مغامرة لن تطول وإن كنت أشعر بالتفويت لعدم استدراكي المشاركة في إحداها، لتثبت أنها صامدة وقادرة وإن لم تكن مربحة ولكنها مشبعة نفسياً وضميرياً. تحويلها للمناسبات التي نمر عليها دون توقف إلى متعة للصغار والكبار تستحق الإشادة والإعجاب، تقتنص مهرجانات التمور، الورد، الخيول، الهجن، العروض التشكيلية، المبادرات الفردية والجماعية، تنظم رحلات إلى قرى تبدو نائية فتضعها على الخريطة، مرات، المجمعة، الزلفي، الغاط، الخرج، شقراء، تيماء، فيد، جزر فرسان، القارة، وغير النائية كالقصيم، تبوك، حائل وجدة. فضلاً عن شد الرحال إلى المواقع الأثرية والطبيعية التي لا تنضب منها أرضنا، من الجوف، حائل ومدائن صالح شمالاً إلى جازان ونجران والفاو جنوباً إلى الطائف، موطن طفولتها، أو حفرة النيزك قرب جدة، غرباً، إلى الحسا شرقاً، الصحاري والجبال، البحار لا تخلو من زيارة تخصها بمجموعة تجد في بيئتنا البحرية أرضاً وبحراً بكراً. كما استثمرت في الإنسان، فتحرص في رحلاتها على تنظيم لقاءات بين السياح وأهالي البلدة، أو زيارة لمتحف محلي أو معرض تشكيلي أو شخصي أو سوق شعبي، أو زيارة مصنع أو موقع أثري أثناء فترة التنقيب فيه لمشاهدة الواقع والحراك المعاش. استفادت من خبرتها ودراستها التقنية للحاسب الآلي في الاستثمار في الانترنت للعرض والتسويق والإعلان عن الرحلات التي تنظمها بكل حرفية ومهنية تضارع المتخصصين في الشرق والغرب. أما المرارة التي تعكسها تجربة مؤسسة "رحلات هيّا" فهي في معاينة الإهمال الذي يصيب مواقعنا السياحية والأثرية أو ضعف الخدمات التي لا تسمح برحلات برية طويلة، أو الاستغلال المادي بدون مقابل خدمي كخدمة المنتجعات على شواطئ المملكة، أو محدوديتها. فنجد الشطآن الممتدة دون رصيف جميل بخدمات التخييم أو النزهة يمكن الجلوس عنده للاستمتاع بالطبيعة وبكرامة. قضية أخرى تتمثل في ضعف الموارد البشرية التي تعمل في هذا الجانب، ما تتركه مفتوحاً ومتاحاً للشركات الأجنبية المتخصصة التي لا مفر من وصولها إلى البلد بعد استكمال قوانين فتحها للسياح، هذا على الرغم من كثرة الخريجين من قسم الآثار أو الآن أقسام الآثار والسياحة، لكن الإرشاد السياحي ما زال مهنة ضعيفة جداً. سرقة الآثار ونهبها تعد من أكثر ما يصدم سلوى القنيبط في زياراتها الأثرية، وبالمقابل تجد أن استثمارنا في أبنائنا ممن يشرفون على هذه المواقع ضعيف جداً ما يجعل حرصهم على سلامتها بالتالي يكلّ ويضعف. ووجدت أن الآثاريين والمؤرخين والمؤرخات طبعاً من أمثالي، مقصرون ومقصرات جداً في التعريف بتاريخ وآثار الوطن مما ينبغي أن يكون راسخاً في المقررات الدراسية والرحلات المدرسية والجامعية، والمقالات الصحفية والبرامج التوثيقية بشكل مبسط يصل إلى الجميع دون الاستئثار بها في الأوساط العلمية وكواليس المؤتمرات النخبوية، ويمكن أن أضيف إلى هذه النقطة أننا أو بعضاً منا لا يحرص حتى على أن يكون شجاعاً بما فيه الكفاية في الدعوة للمحافظة على آثارنا. بل إننا لم نستفد من استثمار هذه المشاريع الصغيرة في تلبية احتياجات متجددة ممثلة في أنشطة أقسام التاريخ والآثار اللاصفية في جامعاتنا لتنظيم الرحلات التي تعزز الشعور بالانتماء والمتعة فضلاً عن التجربة الثقافية التي ينميها الضرب في الطبيعة. وصلت الفكرة بالطبع وشعرت بأنها مصيبة إلى حد كبير، فأخذتُ أستعرض ما كتبته عبر هذه السنوات الطوال في الصحافة عن التاريخ أو آثار الوطن، فأجده لا يفي بما ينبغي أن يكون عليه. كان لوماً في مكانه سوف أحاول ما استطعت استدراكه، فضلاً عن استدراك زيارة ما يمكن زيارته من ربوع بلادي تحت مظلة هذه المرشدة القيادية..