لا تتوقف نظرات جموع الحجاج الراحلين في يومهم الأخير من مشعر منى عن هذا المكان الطاهر، فعيونهم تلف المكان وتبحث عن ذكرياتهم التي قضوها طوال أيام الحج، يسيرون ببطء يتلكؤون بالخروج، رغبة في البقاء، يتوقفون ليلتقطوا صورهم الأخيرة في ذاكرة الوجدان، ويدونون ما تبقى من ذكرياتهم المليئة بأريج المكان، فعلاقتهم مع هذا المكان على رغم قصرها إلا أنها ستبقى خالدة في نفوسهم أبد الدهر. رحلة العمر التي قضوها متنقلين بين البيت العتيق ومشاعره المقدسة، وعلى رغم ظروفها الصعبة وذكرياتها المتباينة بين الأمل والألم، إلا أنهم وجدوها بلسماً يعالج أرواحهم، يفتحون من خلالها صفحات بيضاء مع بارئهم، آملين أن يعودوا كل عام ليجددوا العهد مع الله، ولينعموا بأجواء روحانية فريدة، وغيوم إيمانية هطلت أمطارها عليهم وهم يرفلون بأداء المناسك، وسط الخدمات التي سخرتها حكومة المملكة. هناك علاقة أخرى، لا يفهما سوى الحجاج والعاملين في هذه البقاع، علاقة ترتبط بين الحاج ورجل الأمن، فنظرات الرحيل المتبادلة بينهم، تمتزج بلوعة البعد، وألم الفراق، وعلى رغم تعدد اللغات والألوان والشعوب إلا أن لغة العين كفيلة بترجمة كل هذه اللغات المختلفة، نظرات الشكر قدّمها الحجاج، ونظرات الفراق كانت واضحة على عيون رجال الأمن، الذين أجهش بعضهم على الفراق، وانتهاء خدمة الحجيج.