×
محافظة المنطقة الشرقية

التدخل الروسي يقوي عزم الأسد للبقاء في السلطة

صورة الخبر

فيما تتسارع الأحداث والتفاهمات الثنائية والدولية حول العراق وسورية، تتشكل خارطة جديدة في الأفق لتقسيم هذين البلدين، خصوصا بعد أن جاء تكرار المخاوف الأميركية بمثابة تهيئة الأجواء لما هو قادم. السياسي المخضرم زبجنيو بريجينسكي تنبأ في مقاله بمجلة "فورين بوليس" قبل عامين "بأن الثورات العربية فتحت الباب على مصراعيه أمام الاضطرابات في المنطقة، التي ستشهد تناميا للضغوط الشعبية الداخلية والقلاقل الاجتماعية المتفرقة وتصاعدا غير مسبوق للأصولية الدينية والنزعات العرقية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تفتيت الدول العربية، وتآكل الانتماء القومي". ويستعيد المشهد السياسي حاليا حالات مشابهة مثل يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، والتي تتشابه في التنوع الإثني والعرقي والديني والطائفي، وكذلك تشابه الحلول المطروحة في التقسيم، وإنشاء دول جديدة من رحم سورية والعراق. أهم نقلة فكرية جاءت بها الفلسفة السياسية لما بعد الحداثة في القرن الحادي والعشرين، هي العبارة المكثفة علي لسان الفيلسوف الفرنسي الأشهر ميشيل فوكو الذي قال "علينا أن نتابع ولادة الأفكار والمفاهيم – من الآن فصاعدا - لا في الكتب التي تعلن عنها، وإنما في الأحداث التي تتجلى فيها، وفي الصراعات التي تنشب من أجل الأفكار والمفاهيم، ضدها أو معها. فليست الأفكار هي التي تقود العالم، لأن للعالم أفكاره الخاصة التي ينتج منها الكثير باستمرار، ولا يستسلم أبدا بشكل سلبي لإرادة الذين يقودونه". الملكية الفكرية لنظرية المنظر الأميركي الشهير، صامويل هنتينجتون، حول صدام الحضارات التي نشرت أول مرة في مجلة شؤون خارجية عام 1993، قبل أن تصدر في كتاب لاحقا، تظل محفوظة باسم مستشار الأمن القومي الأميركي، ووزير الخارجية الأشهر في مرحلة الحرب الباردة، هنري كيسنجر الذي تنبأ عام 1979 بأن الصراع في المستقبل سيكون بين الهويات والثقافات، وذلك في أعقاب نجاح ثورة الإمام الخميني في إيران، وصعود نجم المحافظين في إنجلترا بزعامة مارجريت تاتشر، المرأة الحديدية، وتحقيق السلام بين مصر وإسرائيل بموجب معاهدة كامب ديفيد. تأثير الهوية ما يحسب لهنتينجتون هو أنه نبه إلي أن الثقافة يمكن أن تكون مصدرا للصراع وليس للسلام العالمي، وأن العالم انتقل بالفعل من الجغرافيا السياسية إلى الجغرافيا الثقافية. الكتاب الأبرز الذي تناول بالتفصيل - وعلي شاشة أكبر - هذه النقلة النوعية التي تضرب العالم والشرق الأوسط منذ عام 1979 مرورا بـ1989 و2011 وحتى اليوم وغدا، هو كتاب "الجغرافيا السياسية للعاطفة"، وهو من تأليف المنظر الفرنسي في الشؤون الدولية، الأستاذ في معهد الدراسات السياسية بباريس، دومينيك مويزي، إذ يقول "توقف الحرب الباردة عام 1989، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية في أوروبا، كان إعلانا في نفس التوقيت لبدء الحروب الساخنة في ثلاث قارات: أوروبا وأفريقيا وآسيا، لا سيما بعد التغيير الهيكلي والتنظيمي لدول عدة في العالم، إذ تقف الهويات "تستعرض عضلاتها" الثقافية والأثنية، وتهدف إلي التقسيم أو الانفصال وتحطيم الحدود الجغرافية السياسية". ويؤكد مويزي أن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين هو الاستمرار المنطقي للعقد الأخير من القرن العشرين، وهو ما يجعل عصرنا جديرا بالدراسة، لأن العالم الآن يشهد عملية مخاض عصيبة من أجل إعادة التكوين من جديد. نماذج التقسيم فقد شاهدنا في غضون سنوات قلائل دولا مثل الاتحاد السوفيتي، ويوغوسلافيا، وتشيكوسلوفاكيا، تتفكك أو تختفي وتتلاشى، بينما وجدنا دولا جديدة، حوالى 20 دولة، تظهر وتبزغ على المسرح العالمي، ومعظمها خرج من عباءة دول كبيرة لتعلن عن هويتها. وهي عملية لم تنته بعد، لأن أوروبا تميل اليوم بقوة نحو تفتيت الهوية من تحت جلد اتحادها، ورغما عنه، أي أن الظاهرة ليست أفريقية أو آسيوية أو بالأحرى "شرق أوسطية". وهو ما يتجلى في حالة بلجيكا وكاتالونيا في إسبانيا، إذ أثرت – وما تزال – الأزمة الاقتصادية على كل أجزاء البلاد. وفي آسيا، تبدو الهويات في شمال العراق وسورية واليمن وجنوب لبنان وغزة مرشحة لمزيد من المصادمات، كما يُلاحظ اشتداد الحركات الانفصالية للمسلمين السنة في منطقة جنوب شرق إيران المتاخمة لأفغانستان وباكستان. ومن الواضح أن هذه الحركات الانفصالية في بلوشستان وسيستان، مصممة علي تحقيق كامل أهدافها لانفصالية. وكان إجراء الاستفتاء على انفصال جنوب السودان عام 2011 البداية الفعلية لتأسيس دول جديدة في قارة أفريقيا، وهي المرة الأولى منذ تفكك إثيوبيا عام 1993. وربما تؤدي الانقسامات في الصومال، وساحل العاج، بل وحتى نيجيريا، إلى ميلاد دول جديدة. تدهور الاستقرار السياسي بفعل الربيع العربي قال السياسي المخضرم، زبجنيو بريجينسكي، صاحب كتاب "رقعة الشطرنج الكبرى: السيطرة الأميركية وما يترتب عليها جيواستراتيجيا"، والذي شغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جيمي كارتر بين عامي 1977 – 1981، ويعمل حاليا مستشارا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وأستاذا للسياسة الخارجية الأميركية في كلية نبتز للدراسات المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، في مقال بمجلة "فورين بوليس" قبل عامين، "إن الثورات العربية عام 2011 قوضت الاستقرار السياسي في معظم الدول العربية، وفتحت الباب على مصراعيه أمام الاضطرابات في المنطقة، التي ستشهد تناميا للضغوط الشعبية الداخلية والقلاقل الاجتماعية المتفرقة، وتصاعدا غير مسبوق للأصولية الدينية والنزعات العرقية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تفتيت الدول العربية، وتآكل الانتماء القومي. اليوم، لم يعد أحد يتحدث عن العراق أو سورية وحدودهما الجغرافية كدول مستقلة ذات سيادة، وإنما أصبح الجميع يتحدث عن الحدود داخل العراق وسورية، عن الطوائف والأقاليم والعشائر والمدن والقرى التي تخضع فعليا ليس للهويات والأثنيات في الداخل فقط، وإنما للحسابات والصفقات الإقليمية والدولية، في الخارج أيضا. تقسيم سورية والعراق لذلك لا غرو إذا وجدنا اليوم المقارنات تتوالي بين أوضاع العراق وسورية في آسيا، وما كانت عليه يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا في أوروبا، فهذه الدول الأربع تحديدا تتشابه في التنوع الأثني والعرقي والديني والطائفي، الكروات، والصرب، والكاثوليك، والأرثوذكس، والسلوفينيين، والمسلمين، والعرب، والأكراد، والدروز، والسنة، والشيعة، والمسيحيين وغيرهم. فضلا عن تشابه الحلول المطروحة في التقسيم، وإنشاء دول جديدة من رحم سورية والعراق، فلم يأت راسمسون، القائد السابق لحلف شمال الأطلسي "الناتو" حين طرح فكرة اتفاق دايتون للسلام عام 1995، ليكون نموذجا يحتذى عام 2015 عند تقسيم سورية والعراق. إن اعتراف مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية، فنسنت ستيوارت، بمخاوفه أمام وسائل الإعلام قبل أيام، بأن سورية والعراق سيختفيان من هذا العالم، هو نوع من تهيئة الأجواء لما هو قادم، لذا علينا أن نتابع ولادة الأفكار والمفاهيم من الآن فصاعدا، لا في الكتب التي تعلن عنها، وإنما في الأحداث التي تتجلى فيها، كما قال فيلسوف ما بعد الحداثة، ميشيل فوكو.