التأقلم كلمة متداولة في الكثير من المباحثات والمفاوضات على الكثير من المستويات تبدأ من مستوى الغرفة بين الأخوة وتمتد إلى المستوى الذي فيه تجتمع دول العالم حول طاولات النقاش في قاعات الأمم المتحدة لتتفق وتتأقلم. المشاعر الإنسانية أيضاً متكيفة وتستطيع أن تتأقلم على وقع الظرف والحالة التي تمر بها، ومن رحمة الله أن نستطيع أن نغير من حالتنا النفسية إذا استطعنا وأن نتشرب حالة الوقت الذي نحن فيه. كلنا حزنا على شهدائنا، وشهداء الحرم. وكلنا حزنا على شهداء حادثة تدافع منى وما زلنا نتابع التداعيات، لكننا تأقلمنا ودعونا للكل بأن يكونوا في عليين. استقبلنا العيد بفرحة وهذه سنة العيد وهدية من الله يجب أن نفرح بها ويفرح بها الصغير والكبير. حالة التأقلم الممزوجة بالحزن والفرح هي طبيعية بحكم ما خلقنا عليه وجبلنا، فلا شيء يدوم وكل يوم نحن في حال. من أصعب ما يمر به المرء كحالة جسدية عدم التأقلم بين وقتي الشرق والغرب وتحديداً حين تعود بعد رحلة سفر طويلة، حين يتغير الوقت ويصبح الليل نهاراً في نظامك البيولوجي وتبدأ تحس بأن هناك من يقوم بعملية خض هز لمخك حتى يعود كما كان. والنتائج العلمية تقول لكل ساعة فرق في التوقيت تحتاج يوماً حتى تتأقلم. هذه الحالة التي يعيشها كثيرو السفر تمثل تجربة أريد أن أصفها أحياناً بالعنيفة. في ذلك الوقت من النهار حين تحس بأن كل شيء من حولك يدور وأنت لست في المكان الذي أنت فيه ويجب أن تكون في مكان آخر. ألا يتفكر البعض في كيف أن هذه حالة شخصية مؤقته نعيشها لأيام فكيف بمن أجبر على هجر مكانه ووطنه وكل ما يعرفه ربما لشهور وربما لما تبقى من عمره؟ كيف هي حالة الاهتزاز في نفسه ووقته وما كان يريد وما آل إليه؟ سيتأقلم لأنه لا يملك خياراً، لكنه التأقلم المر الذي فيه غربة مفروضة وإجبار على العيش بما يفرضه الآخرون بسن قوانين جديدة ومد يد العون أو لا. كل حالات التأقلم هي اختبار لتكويننا وما خلقنا الله عليه. في بعض الأمور قد تكون هناك ضغوط وأشياء فوق قدرتنا فلا نستطيع أن نتجاوزها أو نتأقلم معها وقد تتسبب في هلاكنا إن لم نتجاوزها، فكثيراً ما يموت البعض في فراشه لأنه كان حزيناً. وكثيراً ما نفقد أحدهم لأنه تعرض لحالة نفسية قاسية. التأقلم مهارة ليست بالسهلة وليست متاحة للكل، لكننا جبلنا على التوكل على الله في كل شيء حتى في مصائبنا، فمتى ما كان القلب مطمئناً أن كل ما يصيبنا هو خير لنا ارتحنا وهدأت نفوسنا وبدأت عقولنا تتصرف بهدوء وروية وتلجأ لقرارات صحيحة. التأقلم مرتبط بالطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره وهو الاختبار الأكبر في كل ما يمر بنا، فالحمد لله على الحزن والفرح. Mar_alblooshi@hotmail.com