في حفل افتتاح مؤتمر مكة المكرمة السادس عشر تحت عنوان: (الشباب المسلم والإعلام الجديد)، والذي نظمته رابطة العالم الإسلامي (خلال الفترة 2 - 3 ذي الحجة الحالي)، ألقى سمو أمير منطقة مكة المكرمة كلمة خادم الحرمين الشريفين، التي حذّر فيها من الذهاب بعيدًا (نحو التطرف والغلو والمغالاة وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الأمة)، كما نادى في الوقت نفسه بتحصين الشباب وتحذيرهم من الانصياع (لدعاوى الانسلاخ عن الدين، والطعن فيه واتهامه بالتطرف والجمود والتخلف). ولأن خطر الطائفة الأولى واضح كالشمس في رابعة النهار، فإن خطر الطائفة (الانسلاخية) الثانية ناعم ورقيق وأملس، لكنه تمامًا كالسم في لذيذ العسل يُدمِّر بهدوء، ويُفسد بدهاء، ويضرب بأكف ناعمة لكنها مُؤثِّرة.. ولعل من غير المستبعد أن تكون تكتيكات هؤلاء من أهم العوامل التي تتسبب في عنف الطرف الأول وغلوّه المضاد، إنه غلو ناعم في مواجهة غلو عنيف. هؤلاء (الانسلاخيون) يُصوّرون الكون واحة سلام بدون خصومهم الإسلاميين، وهي عكس ذلك، أي هي ساحة حرب في وجود حملة كتاب الله والدعاة إلى منهجه القويم. الانسلاخيون لا مشروع لهم سوى تصيّد هفوات ما يحسبونه خصومهم الإسلاميين! أما أن يُبادروا فيُقدِّموا للمجتمع رؤاهم (الإصلاحية) المزعومة أو برامجهم (التطويرية) الموهومة، فذلك محض وهم وخيال.. هم لا يُحسنون إلا (المُناكفة)، كما صورهم الأستاذ الكاتب القدير عبدالله المفلح.. إنهم لا يكلّون منها ولا يملّون، لأنهم يظنّون أن المهمة رقم 1 هي إزاحة أي صوت إسلامي معتدل ونشط من واجهة المجتمع كله.. وعندها فقط يستطيعون جني الثمرات كيف شاءوا وأنّى شاءوا ومتى شاءوا. لكن أبناء الإسلام الوسطي المعتدل، الذي دعا إليه المليك في كلمته المتوازنة الشاملة، يُدركون أن دعاوى الانسلاخ هي جزء من معركة طويلة الأمد، وصراع سيظل إلى الأبد، فعبره تُكشف المعادن الأصيلة وتُفضح المعادن الخبيثة (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض). بقي أن نُدرك أن الطائفة الثانية لا تستهدف إطلاقًا الطائفة الأول، لأن بضاعتها فاسدة، بل هي تستهدف الوسطية المتّزنة المعتدلة صاحبة المشروع الإسلامي الحضاري والإنساني. salem_sahab@hotmail.com