إن من بين ما يسترعي الانتباه وأنت تسير في شوارع العاصمة وكذا المدن الكبيرة في أرجاء المملكة هو الانتشار العجيب لبعض أنواع من الأعمال والتجارة فيها بشكل يستوقف الاقتصادي على وجه الخصوص. ولقد أخذت الصيدليات كمثال على هذا الانتشار والكثرة لعدد من الأسباب من أبرزها طبيعة البضائع المتوافرة عادة في الصيدليات، حيث تكون الأدوية وما شابهها من لوازم تختص بالصحة فقط، وهي ما يُباع فيها عادة وهذا بالتالي يقلل اتساع دائرة السوق المستهدف في شموليته. ولكن الملاحظ أن هذا النوع من النشاط التجاري ــــ الصيدليات ــــ بدأ يكثر تعداده في السنوات الأخيرة وبشكل لافت حتى أنك تجد في الكيلو متر الواحد طولاً في الشارع أكثر من صيدلية مما يوحي كمنطق اقتصادي بكثرة الاستهلاك للمنتجات الطبية، وكما لو كانت الأدوية كالغذاء اليومي في حجم استهلاكه، إذ إن أعداد الصيدليات لربما قريب من ثلث أعداد البقالات أو أكثر! إضافة إلى ذلك حجم التكاليف لتشغيل الصيدليات عادة هو أكبر بكثير من البقالات أو ما شابهها خصوصاً إذا ما تأملت أن هذه الصيدليات المنتشرة بكثرة تتخذ مواقع مميزة في شوارع المدن؛ ما يعني ارتفاع أسعار التأجير وبالتالي تكاليف التشغيل، وهذا يسوقنا إلى التنظير اقتصادياً عن المبررات نحو تفسير ذلك بعدد من الفرضيات. فإما أن البضائع التي تباع تلقى رواجاً كبيراً مما يعني كثرة الطلب عليها، وبالتالي الفهم بأن الصحة العامة لدى المجتمع كافة متدنية جداً لدرجة الحاجة إلى توفير هذه الأدوية والمنتجات الطبية المختلفة التي تبيعها الصيدليات أو هو ارتفاع هامش الربح لتلك البضائع لدرجة أنه لا يستلزم إلا بيع كميات قليلة لكي تكون هذه الصيدلية أو تلك ناجحة اقتصادياً. وكلا الأمرين - في تقديري - غير صحيح وذلك من واقع الحال، فالمجتمع السعودي وغيره من المقيمين ليسوا بهذه الدرجة من الاعتلال والمرض ـــ والله الحمد ـــ لدرجة الحاجة إلى وجود تلك الأعداد من الصيدليات. وكذا هامش الربح إذ إن المعروف أن الأدوية عالمياً كسلعة تباع هي من أقل هوامش الربحية وذلك لتكلفتها المرتفعة أصلاً حين اكتشافها، إضافة إلى ما يحكمها من تقنيات تنظيمية من الجهات ذات الاختصاص بالصحة. وهذا ما يسوقنا إلى محاولة الفهم من منظور اقتصادي بحت عن أسباب هذا الرواج الرهيب لأعمال الصيدليات وما شابهها، خصوصاً في التعددية أو لتلك المحال التي تنعدم المنطقية الاقتصادية في دورة أعمال البيع والشراء فيها كمحال البضائع المخفضة أبو ريالين أو غيرها من محال الملابس وأشباهها والتي في نهاية المطاف ليست إلا على حساب الاقتصاد إجمالاً، خصوصاً في المنظور الطويل الأجل، وذلك إما بالاستهلاك غير المبرر واستمراء المجتمع لسلوك استهلاكي خاطئ على حساب بضائع ذات جودة رديئة، وكما لو كنا السوق الرائجة لمخلفات المصانع من الشرق والغرب.. أو على فاتورة الاقتصاد الكلي وذلك بمخالفة قوانين العرض والطلب والمنافسة التي تنمي الاقتصاد وليس استخداماً فرضياً للأعمال المشروعة من قبيل شرعنة مخالفات اقتصادية أو ممنوعة تحاربها كل الدول.