مثلما هو متوقع، مرت عطلة عيد الأضحى المبارك على ليبيا من دون تغيير يذكر، بعد أن اصطدمت مساعي وسيط الأمم المتحدة برناردينو ليون بعناد أسطوري لدى طرفي الصراع، ولم تفلح لغة التهديد والوعيد والإغراء في إعطاء الاتفاق المعلن أي أمل جدي بتنفيذه، بينما يشهد الواقع الميداني تأزماً خطيراً للغاية مع اندلاع معارك جديدة في مناطق مختلفة ،بما يوحي بأن أي صيغة سياسية للتسوية ستظل حبراً على ورق. ومع توالي الأحداث والتطورات يتبين أن الخلافات لم تعد بين الحكومة الشرعية في طبرق وبين طرابلس المتمردة، وإنما استفحلت الخلافات بين المعسكرين، وربما إذا عادت المفاوضات مجدداً سيجد الوسطاء أنفسهم أمام خريطة جديدة من المتنافسين، فالحكومة المعترف بها دولياً تعرف انقساماً بين من يريد الذهاب وراء برناردينو ليون إلى النهاية وإبرام الاتفاق، وبين من يرفض الاتفاق ،ويعتبره التفافاً على الإرادة الشعبية ،وظهرت علامات الخلاف في منع رئيس الحكومة عبد الله الثني من السفر ،وسعي القيادة العسكرية إلى كسب مواقع جديدة في المواجهة مع الجماعات الإرهابية سواء في بنغازي أو الغرب الليبي. وهذا الانقسام ينطبق بالآلية نفسها على معسكر طرابلس. وتعرف ميليشيات فجر ليبيا انقساماً غير مسبوق تحول إلى صدام مسلح في عدد من أحياء طرابلس مرشح لأن يتسع، فهناك فريق عبر عنه رئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل برفض اتفاق الأمم المتحدة معتبرا أنه يتعارض مع مبادئ الثورة، وهناك فريق آخر يريد المضي في الاتفاق ولكن لا وزن له مقارنة بالرافضين، وهو ما يعني أن اتفاق ليون أخذ طريقه إلى الفشل النهائي الذي سيعلن عنه على مضض إذا استمرت الحالة على هذا النسق. توقع فشل جهود الأمم المتحدة في ليبيا ليس حدثاً غريباً، ولكن الغريب فعلاً هو توقع النجاح، فما يسمى الواقع السياسي يقبل القسمة على عدد لا نهائي من الأطراف والقوى والميليشيات، وما يعلنه ممثلو الوفود المتفاوضة في الصخيرات المغربية مثلا لا يعدو كونه تصريحات فرضها المكان والحضور أما المرجعيات فمختلفة ولا تثبث على قرار أو عهد. فما كان قبل جولات المفاوضات الأخيرة مجرد فرضيات أصبحت الآن حقيقة، فهناك كثير من الأطراف المسلحة خصوصا في معسكرات فجر ليبيا ترفض اتفاق السلام ،وهددت بالمضي في القتال إلى النهاية، فكل ميليشيا ترفض أن تستظل بسقف أخرى خشية ضياع المكاسب، ويؤكد اندلاع المعارك دفعة واحدة في طرابلس وبنغازي والزاوية والكفرة فجر العيد هذه الحقيقة وينسف كل الآمال المرفوعة على تجاوز هذه المحنة. أمام الفشل المحتمل لم تجد القوى الغربية من سبيل سوى دعوة الفرقاء كافة إلى قبول الاتفاق الذي يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، لا يبدو أن هذه النداءات ستجد من يسمعها، ومن يتجاوب معها ليست لديه القدرة على فرض الاتفاق على الجميع. وإذا فشلت مساعي برناردينو ليون بشكل نهائي واستقال من مهمته فسيكون ذلك نكسة كبيرة لليبيا، والمثير للخوف ألا يعترف الجميع بالفشل، ويرى كل طرف في ذلك انتصاراً لموقفه، وهو ما يعني اندفاعاً خطيراً نحو العنف والمزيد من الانقسام، فحين تستبد الميليشيات لا يمكن أن يحل السلام حتى ولو فرض بقوة السلاح. chouaibmeftah@gmail.com