مع احتدام المعارك في منطقة مأرب اليمنية، واشتدادها العاصف في تعز، بالترافق مع وصول المؤسستين الرئاسية والحكومية إلى عدن يجد المراقب المتابع نفسه أمام سيناريوهات احتمالية متعددة، ويمكن تلخيص هذه السيناريوهات في الآتي: أن تتمكن الشرعية الراجعة من الرياض في إعادة مأسسة الدولة من خلال النموذج العدني الذي تآلف تاريخياً مع النظام والقانون، قبل أن يتم إفساد هذا النظام والقانون بأعراف الفوضى الشاملة التي نجح نظام صالح في تعميمها الشامل. أن تكون البداية العدنية بمنزلة منصة الانطلاق نحو استعادة الدولة المخطوفة من خلال تقديم النموذج المثالي الذي يرتضيه الشعب. أن تتواصل معارك الكر والفر على خط تعز- البيضاء - رداع، وأن يتوازى معها تصاعداً عنفياً في الحديدة ومأرب والجوف وصنعاء وصعدة، وفي هذه الحالة سيصبح خيار الحسم العسكري خياراً لا رجعة عنه، وبالمقابل ستنشأ ثقافة حرب متعددة الحراب، وستتوسع بيئة التطرف والاستقطاب، وصولا إلى تشكل أمراء حرب اعتياديين يلبسون مختلف الأردية ويتصارعون ظاهرا، ويحملون أجندات متباينة في المقال، لكنهم يلتقون عند حد الفوضى والتخريب. أن تعود العملية السياسية التوافقية الحكيمة وفق أجندتها الأولى التي ارتضاها الأطراف المتحاربة وبذات المرجعيات، انطلاقا من المبادرة الخليجية، مروراً بنتائج مؤتمر الحوار الوطني، وحتى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الذي يعيد تأكيد سيادة الشرعية اليمنية وفق مرجعياتهم التوافقية السابقة، وفي هذا المستوى لابد من ملاحظة الجهد السياسي الخاص الذي تنخرط فيه الآن أكبر دولتين متصارعتين على خطى أوكرانيا وسوريا، وهما الولايات المتحدة وروسيا، وهو جهد يومئ بصفقة ما ، غير واضحة الملامح حتى الآن، ولكن أكثر المراقبين تفاؤلاً يتصورون أنها صفقة تؤكد عودة الشرعية وخروج المهزوم صالح بطريقة مشرفة، مع السماح للحوثيين بالانخراط في العملية السياسية بوصفهم مكوناً سياسياً اجتماعياً يتناسب مع حجمه الطبيعي، ولا يتغول على الدولة ونواميسها، ولا يتحول إلى رأس حربة لأجندة إقليمية مفارقة لطاقة الزمان والمكان في اليمن وعموم الجزيرة العربية. ومن السيناريوهات المتوقعة.. تسليماً غير مشروط لتحالف صالح والحوثيين، لكن هذا السيناريو لن ينتظم خارج تسوية سياسية مشرفة تخفف على المهزومين تراجيديا الهزيمة المذلة. استتباعا لما سبق سينشأ سؤال المستقبل ونمط الدولة الجديدة، وهل ستكون دولة اتحادية من أقاليم عدة أم كونفدرالية من إقليمين؟، وهل سينفصل الجنوب عن الشمال في ذات الدولتين السابقتين على الوحدة؟، وماذا بخصوص جنوب الشمال في اليمن الذي يطالب بذات الحقوق في تقرير مصيره إذا ما خرج الجنوب من عباءة الدولة الاتحادية الافتراضية؟ كل هذه الأسئلة لا تحمل سوى إجابة واحدة، ملخصها أن اليمن القادم لن يكون ذات الذي عرفناه، وأن حرباً مستعرة بهذا الحجم والزخم لا يمكنها أن تعيد إنتاج الماضي بحال من الأحوال، ولنا فيما جرى من خرائط ما بعد الحروب العبرة والعظة. omaraziz105@gmail.com