بلحية بيضاء «بهية»، وعصاة غليضة لا تفارق يمناه، يتعكز عليها متنقلاً بين الأماكن «المقدسة»، يرفع كفيه تارة ويخر ساجداً تارة أخرى، دموعه تتصبب على وجنتيه، وتأخذ مجراها في تضاريس حفرها الزمن في وجهه، وحولها إلى خريطة زمنية، بحث من خلالها سبيلاً إلى الوصول إلى البيت الحرام، بعد أكثر من محاولة «فاشلة»، إلا أنه استطاع مواصلة نضاله، وأن ينجح أخيراً بعد أن جمع كلفة الحج طوال ١٥ عاماً لتحقيق هذا الحلم. الباكستاني نور محمد، الذي بلغ من العمر عتياً، إذ جاوز الـ100 عام، يتنقل في الأماكن المقدسة وهو يرفل بآيات الشكر، بعد أن حقق حلمه هذا العام، فيما يتحدث مع أصحابه «الصغار»، عما سمعه عن الحج من أٌقرانه السـابقين، وما يراه الآن من «التسهيلات الكبيرة، التي تســاعد أي حاج في هذا العمـر على أداء المناسـك بكل يسـر وسهولة». يقول نور لـ«الحياة» إن الوصول إلى البيت الحرام مكلف للغاية، «حاولت جاهداً طوال عمري، أن أجمع ما يمكنني جمعه من أجل أداء هذه الفريضة، إلا أن محاولاتي كانت تنتهي بالفشل، خصوصاً وأن كلفة الحج ترتفع عاماً بعد عام»، موضحاً أنه حاول أكثر من مرة جمع المال، «لكنني لم أستطع لظروفي الأسرية الصعبة، بيد أنني تمكنت أخيراً وأنا في أرذل العمر، من تحقيق هذا الحلم الذي تأخر سنوات طويلة، لكنني نجحت». وأوضح أن أداء هذه الفريضة «لم يكن في الصورة التي اكتنزت في ذهني من سنوات طويلة، معظم من كان يتحدث عن الحج من أصدقائي وأقربائي، وغالبيتهم انتقلوا إلى رحمة الله، كانوا يتحدثون عن مشقة الوصول إلى الحج وصعوبة أداء هذه الفريضة، إلا أن ما أشاهده اليوم وألمسه من اهتمام كبير من السعوديين والجهات الأمنية، إضافة إلى سهولة المواصلات بين المشاعر، مسح تلك الصورة الذهنية المضطربة»، مشيراً إلى أنه يعتقد أن أداء مناسك الحج «بات يسيراً حتى لكبار السن، الذين لا يستطيعون المسير». وقال إنه ما يزال يتمتع بصحة جيدة، على رغم حرارة الشمس في مكة، «إنني قادر على إكمال أداء هذا الفرض الإلهي، وأن أكمل خطواتي نحو تحقيق هذا الحلم، الذي كان في يوم من الأيام مستحيلاً».