بشكل أو بآخر أصبحت قضية العمالة المنزلية صداعا ومصدرا للابتزاز والمساومات من الدول التي تصدّر العمالة، فهناك شروط تبدو تعسفية يتم وضعها في إطار حفظ حقوق هذه العمالة، وغايتها في النهاية المبالغة السعرية والالتفاف على قرارات وطنية، كما فعلت بنجلاديش باشتراطها استقدام عامل مقابل ثلاث عاملات منزليات، رغم صدور قرار بمنع وإيقاف استقدام العمالة البنجلاديشية. هناك قرارات لا يمكن الدخول في مبرراتها، كأن تمنع دولة ما إرسال عمالة بصورة نهائية، فذلك حقهم، على نحو خبر نشر مؤخرا بأن الحكومية الإندونيسية تدرس خطة لإيقاف إرسال العمالة المنزلية النسائية إلى عدة دول ومنها دول الخليج اعتبارا من عام 2017م، وربما ذلك لكفايتها الاقتصادية أو لأي أسباب خاصة بها، ولكن في ذات الخبر تصريح لمسؤولين في السفارة الإندونيسية، يشير الى أن الحكومة تدرس قصر إرسال العمالة النسائية على المجالات المهنية، التي تتضمن التمريض والطب والفندقة والخياطة، وأن هدف الحكومة الإندونيسية من هذه الدراسة، توفير كافة سبل الراحة لمواطنيها، إضافة إلى توفير العمل المناسب لهم. وكلمة السر في العبارة الأخيرة وهي العمل المناسب لهم ذلك يمكن أن يتضمن مثل اشتراطات دول أخرى تضع معاييرها لهذا العمل المناسب، وبهذا الإيقاع فإننا في الغالب ربما لا نرى تدفقات للعمالة المنزلية وأن أزمتها في تصاعد، وذلك يعني أمرين لا ثالث لهما، أولهما: الاتجاه الى الاعتماد الذاتي في تنظيم منازلنا وانكفاء ربات البيوت على مهام لم يكن يقمن بها، وثانيهما: ارتفاع أسعار خدمات العمالة الموجودة والتي يمكن أن تسمح بها دول أخرى، وقد نضيف أمرا ثالثا من الأهمية وضعه في الاعتبار وهو: تزايد جرائم هذه العمالة حينما تجد نفسها تحت ضغط العمل أو أي شعور بانتقاص حقوقها اعتمادا على روايات شفهية سابقة يمكن أن يتم تداولها في بيئات العمالة المنزلية. الواقع الآن أن دول الخليج لم تعد تتمتع بسمعة وظيفية جيدة فيما يتعلق بأعمال العمالة المنزلية، وذلك يعني مزيدا من التشدد في إرسال تلك العمالة إليها، وزيادة جرائمها التي تأتي في إطار الفعل ورد الفعل والشعور بأي مظالم محتملة ومفترضة من المخدمين، فهذه العمالة هي أكثر هشاشة نفسية، إذ تأتي وفي معيتها آمال وأحلام تعيشها واقعا في المنازل التي تعمل فيها، وحين تجد المسافة بعيدة بين الحلم والواقع مع قليل من ضغوط العمل التي لا تتحملها في بعض الأحيان، يتم الانفجار على شاكلة سلوكيات إجرامية، تنفس عن غضب كامن ويأس وإحباط، وشعور بمسافة بعيدة جدا بين ما يعيشونه في الحقيقة وما يطمحون إليه لأنفسهم. تصبح تلك العمالة من الخطورة عندما يتم التضييق عليها من دولها، بحيث لا يسمح إلا للقليل منها لعبور خط الأحلام إلى الخليج، وما يجدونه من مشقة لم يكونوا مهيئين لها، فيتحولون الى شخصيات عدائية عنيفة. لذلك ما من خيارات مثلى سوى البدء والاستعداد لخدمة ذاتية داخل المنازل يتم فيها توزيع الأدوار بين الساكنين من الأسر في البيت الواحد، أو تحمل نتائج ضيوف لا يؤمنون لحسابات تعمل بداخلهم ولا نراها ونحن نأمر ونطلب على مدار اليوم.