×
محافظة المنطقة الشرقية

«الحديدية» توقع عقد توريد 500 عربة لنقل الإسمنت والحبوب والجير والصخور

صورة الخبر

يقدم المخرج الكندي دينيس فيلينوف في فيلمه الأمريكي الأول "سجناء- Prisoners" جريمة وتشويقاً مختلفاً نوعاً ما عما هو معتاد في هذا النوع من الأفلام. فبعد أن تم ترشيح فيلمه "حرائق-Incendies" لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، بدأ مشواره في هوليود بخطى ثابتة، ويمكن القول إن فيلمه الأخير "سجناء" ينتمي إلى مدرسة قريبة من ديفيد فينشر، فقصة الفيلم تتجاوز الجريمة والبحث البوليسي إلى ما هو أعمق وأهم لتطرح أسئلة فلسفية، وهذا ما حقق للفيلم نجاحاً فنياً وجماهيرياً. يبدأ الفيلم باحتفال "العيد" حيث يذهب كيلر دوفر المتدين (هيو جاكمان) وزوجته وابنه وابنته إلى منزل جاره فرانكلين بيرتش (تيرينس هاورد) وزوجته نانسي (فيولا ديفيس) وابنتيهما. وبعد العشاء تختفي ابنة كيلر الصغيرة وصديقتها ابنة فرانكلين. ينطلق أفراد العائلتين للبحث عن الطفلتين دون جدوى، وتحوم الشبهات حول سيارة كبيرة كانت واقفة بالقرب من البيت. تأتي الشرطة بقيادة الضابط لوكي (جاك غلينهال) للقبض على السائق ويحاول الهرب. يتضح أن الشاب الذي كان في السيارة ويدعى أليكس جونز (بول دانو) بمستوى ذكاء طفل عمره عشر سنوات وبعد القبض عليه والبحث داخل السيارة، لا تجد الشرطة أي دليل مادي على وجود الطفلتين. تطلق الشرطة سراحه لكن كيلر، والذي كان منذ البداية على قناعة بأن أليكس على علاقة باختفاء البنتين، يحاول أن يعتدي عليه بالضرب وهو في صحبة عمته هولي جونز (ميليسا ليو)، ويقول كيلر إن أليكس قال له في لحظة ضعف: "إنهم بكوا فقط عندما تركتهم".. هذه العبارة التي لم يسمعها أحد سوى كيلر، تجعله أكثر اقتناعاً بأن أليكس هو الخاطف وأنه يعرف مكان ابنته. ولا تأخذ الشرطة كلام كيلر على محمل الجد، فيقرر أن يأخذ مسألة استجواب أليكس على عاتقه لمعرفة مصير ابنته. ويختطف أليكس في بيت قديم ورثه عن والده، ويبدأ بتعذيبه ليدلي بمعلومات حول مكان الطفلتين. يعرف فرانكلين بالأمر، ويستنكر هو وزوجته ما يحدث، لكن كيلر يذكرهما بأنهما سيتحملان مسؤولية عدم إنقاذ ابنتيهما فيما بعد، فيسكتان ويتركان كيلر يتولى المهمة. لكننا نرى أنهما يعيشان صراعاً واضحاً لا يعيشه كيلر الذي يملك يقيناً بأن أليكس هو الخاطف. في الجانب الآخر، فإن لوكي، الضابط الذي يفخر بأنه لم يفشل في أي قضية يمسكها، يظل يبحث بتهور ويفقد أعصابه كثيراً مع المشتبه بهم للعثور على الطفلتين. الجميل في الفيلم هو المقابلة بين الشخصيتين: الأب المتدين الذي ينتمي إلى عقيدة "البقاء"(الاعتقاد بأن هناك كوارث طبيعية أو اضطرابات اجتماعية أو غيره يمكن أن تحدث وأن على المرء أن يأخذ الأمور على عاتقه ويكون مستعداً بتجهيز مسكنه بكل الاحتياطات والأشياء التي يحتاجها ويتحمل مسؤولية إنقاذ نفسه وعائلته). ومن الطبيعي أن تأخذ شخصية كهذه، الأمور على عاتقها بعد أن تشعر بفشل الشرطة في إيجاد الطفلة. وفي المقابل نرى الشرطي لوكي الذي يسأل عن الأبراج ليعرف الأشخاص مسبقاً، ومن الواضح أنه هو أيضاً يعاني من أزمة ما، وهو على استعداد ليمضي إلى أقصى ما يمكن لإثبات أنه قادر على حل أي لغز. في وسط هذه المعتقدات وهي ربما السجن الحقيقي الذي تعيشه هذه الشخصيات نجد أن المخرج منذ البداية يتعمد أن يلتقط الكثير من المشاهد خلف زجاج تغطيه أمطار أو أوساخ تمنع الرؤية الواضحة. هذه الإشارة البصرية تتكرر كثيراً لتقول لنا إن الأشياء ليست دائماً بهذا الوضوح وأن هناك الكثير من الأمور الملتبسة، وأن القناعات التي يحملها الأشخاص قد تمنع عنهم الرؤية الواضحة للأشياء والحكم الواضح. أهم ما يطرحه الفيلم هو أخلاقية الانتقام فهو يجعلنا نتساءل: هل يمكن لأي شخص أن يبرر تحت أي سياق تعذيب شخص آخر؟. حتى لو كان أباً يبحث عن ابنته؟. خاصة أن كيلر ذهب إلى حد بعيد ولا إنساني في تعذيبه. وقد أجاب الفيلم بشكل ما في نهايته على هذا التساؤل ولكن بعض النقاد لم يقتنع بأن الإجابة كانت واضحة بما فيه الكفاية خاصة أنه تساؤل مهم وهو أحد المآخذ على الفيلم. وربما المأخذ الآخر عليه هو أنه يحتوي على مشاهد عنف مزعجة في هذا الخصوص. مدة الفيلم ساعتان ونصف وهو ما يعتبر طويلاً إلا أن حبكته الجيدة التي نسج خيوطها كاتب السيناريو آرون جوزيكويسكي لا تشعرك بطوله، فالمشاهد يقضي الساعتين والنصف في حالة من الترقب والتشويق والانغماس التام في الأحداث. إضافة إلى الحبكة، فمستوى الآداء عال جداً وقد قدم هيو جاكمان أحد أجمل أدواره، وهو الذي كان قد رشح العام الماضي لجائزة أفضل أداء عن دوره في الفيلم الغنائي "البؤساء"، وكان جاك غلينهال نداً جيداً لجاكمان أيضاً وخاصة في بعض المشاهد في نهاية الفيلم. الأكيد أن "سجناء" يقدم قصة مختلفة ويطرح تساؤلات حول الانتقام وتبادل الأدوار بين الضحية والجلاد في شكل لا نهائي تجعل الفيلم يبقى حياً في الذاكرة طويلاً بعد المشاهدة.