×
محافظة المنطقة الشرقية

المياه الوطنية: توزيع 220 ألف متر مياه بمشعر منى اليوم

صورة الخبر

كيف أصبحنا مجتمعاً استهلاكياً بامتياز؟. لماذا تنتشر الأسواق والمولات الضخمة والمطاعم بكل أنواعها والمطابخ بكل ألوانها.. حد التخمة، على نحو يجعل التساؤل كبيراً.. بحجم تمددها وانتشارها في كل الشوارع والتجمعات العمرانية. هل نحن بحاجة إلى هذا الكم الكبير من الأسواق الضخمة والمطاعم ومحلات التجزئة؟ أم أن ظاهرة التسوق أصبحت جزءاً من ثقافة مجتمع لا يتوقف عن الاستهلاك؟ مَن رزقنا هذه الثروة التي تفجرت في لحظة تاريخية من عمر البشرية، لم يقل لنا تثاءبوا وناموا وتراكموا واستهلكوا.. بل منحنا عقلاً وتكويناً يجعلنا ندرك أن سنوات اليسر لا ضمانة لاستمرارها، طالما لم نأخذ بالاعتبار سننه الكونية وطبيعة الثروة ودورات الحياة وسنوات العسر ماذا لو تقلصت القدرات الشرائية في وقت من الأوقات.. كيف لمجتمع تعوّد على الاستهلاك الشره.. أن يواجه تلك العادات التي لا تعني سوى المزيد من الإنفاق والمزيد من الشراء والمزيد من الهدر. كم من الأطعمة المتبقية ترمى في حاويات القمامة؟ كم من الملابس تنوء بها مخازن بيوتنا ويتم الاستغناء عنها سريعاً للبحث عن الجديد والجديد.. ماذا عن أجهزة المحمول التي أصبحنا أكبر سوق استهلاكية لها. حتى أصبح عمر 6 شهور على أي تلفون ذكي عمرًا مديداً وطويلاً يتطلب التخلص منه والبحث عن آخر إصدار وموديل. ماذا عن الوقت الذي نستهلكه بالكلام الذي لا يقدم ولا يؤخر.. كيف نهدر سنوات العمر بلا روية، كيف وظفنا أدوات التقنية الاتصالية في عبث لا حدود له وهدر لا ضابط له واستهلاك ممرض لا ملامح لتوقفه أو السيطرة عليه. ماذا عن هدر الطاقة الكهربائية بلا حساب. وكأن ثمة بحراً لا ينقطع من سيل الكهرباء لا يمكن له أن تتوقف أو يتراجع.. فقط لأن هناك من يقوى على دفع فاتورته الشهرية التي تبدو لكثيرين ممكنة، وقد تكون زهيدة بالنسبة لكلفة أشياء كثيرة يقتنيها وينعم باستخدامها غير الرشيد. ماذا عن هدر طاقة المحروقات، والمركبات.. بلا هدف أو غاية، سوى التجوال في شوارع مزدحمة من أجل تسوق لا يعرف قيوداً أو حدوداً أو من أجل قتل الزمن وهدر العمر. ماذا أعددنا لمستقبل تنحسر فيه الإمكانات بينما تظل الاحتياجات وأنماط الاستهلاك هي ذاتها إذا لم تزد وتنمو نمواً غير رشيد؟ ماذا عما تبقى لنا من مياه في جوف الأرض..؟ وهذا الأهم، بل هو الحياة الحقيقية، إذا استمر هدرها على هذا النحو، وكأن هناك من يسعى لزيادة هذه الصحراء جفافاً وحرارة وسفراً بعيداً للمجهول. ماذا عن رؤيتنا لنمونا السكاني، الذي جعل أكبر بقعة جفاف في هذه الأرض الطاردة على مر التاريخ إلا من واحات وتجمعات سكانية صغيرة لا تكاد تطعم قاطنيها.. نمو كبير لتعداد سكاني يتعاظم كل عام.. ألم نصبح أيضاً جذباً لا يتوقف لكل سكان الأرض من عمال وموظفين في كل أنواع الخدمات، التي لم نعد نمارس شيئاً منها.. بعد أن أصبحنا عالة على سلعة وحيدة عرضة لكل التقلبات إذا لم يكن للانحسار والنضوب في يوم ما. ماذا، وماذا؟ وتظل الأسئلة تطوف في حشد لا يتوقف؟ وكيف لنا مواجهة مستقبل لا نعلم سوى انه قادم، ولكن لا ندري متى وكيف نواجه استحقاقاته ومتطلباته وتحولاته الصعبة؟ كيف تحولت ثقافة مجتمع بسيط، يعمل وينتج في حدود إمكاناته وقدراته مهما بلغ التعب والنصب وقلة ذات اليد.. إلى مجتمع رخو يتطلع دوماً إلى المزيد من الاستهلاك والخدمات والشراء والاقتناء والهدر الكبير. هل ثمة ضمانة ألا تعود أيام المسغبة؟ هل ثمة مقومات ألا نجد أنفسنا بعد عقود قد لا تكون بعيدة أمام فائض بشري كبير يفغر فاه بانتظار المعجزات للوفاء باحتياجات لم يعد يجدها..؟ هل ستكفي هذه الثروة النفطية وما تجلبه من مال للوفاء باحتياجات تزيد ولا تنقص وتكبر ولا تتقلص وتتمدد في كل أرجائنا بلا انتظار. وإذا كان هذا السؤال يتوجه لحكومة تدير دولة ومجتمع وثروات.. فإنه أيضاً يجب أن يتوجه للإنسان على هذه الأرض.. الذي يجب أن يدرك تماماً أن عليه أن يقوم هو أيضاً بما يجب أن يقوم به لمواجهة مستقبله ومستقبل أبنائه. ولن يكون ذلك إلا من خلال وعي الأسئلة؟ ولن يكون ذلك إلا من خلال بناء عقلي يستعيد الواقع ويستشرف المستقبل، ليعاود التفكير جدياً بتغيير نمط حياته على نحو يجعل المسؤولية جزءاً من يومياته.. ويجعل الإنفاق رهناً بقدراته، ويحسن ما يملك ويعظم عوائد ما لديه قبل أن يجد نفسه يشكو العلتين، علة الفقد وعلة الفقر. السماء لن تمطر ذهباً ولا فضة.. ولم يمنع إيمان أجدادنا الوثيق الصلة بالله من أن يعانوا الجوع والفاقة حتى انهم ضربوا في الأرض بعيداً من أجل الحياة. إيمانكم إذا لم يأخذ بأيديكم إلى مقاومة الإسراف والهدر وتعظيم عائد اليوم الذي نهرقه بلا حساب والوقت الذي نقتله بلا تردد.. فلن يكون كفيلاً بإنقاذكم، فلقد أهملتم سنناً كونية لا تحابي أحداً ولا تجامل مخلوقاً. لم تمنع السنن الكونية شعوباً لا تملك إيماننا بالله وحكمته وقضائه من أن تكون شعوباً قوية ومنتجة.. تتحكم اليوم باقتصاد العالم وتؤثر في مجرياته وتحكم مساراته. من رزقنا هذه الثروة التي تفجرت في لحظة تاريخية من عمر البشرية، لم يقل لنا تثاءبوا وناموا وتراكموا واستهلكوا.. بل منحنا عقلاً وتكويناً يجعلنا ندرك أن سنوات اليسر لا ضمانة لاستمرارها، طالما لم نأخذ بالاعتبار سننه الكونية وطبيعة الثروة ودورات الحياة وسنوات العسر. خلال عقود قليلة استنزفنا ثروتنا المائية التي تراكمت عبر عصور سحيقة، ألا ترون كيف تنضب الآبار وتشح الأمطار وتتدهور مقومات الحياة في صحراء لم تخلق للزراعة واستنزاف مياهها الشحيحة، بل خُلق فيها قوتها بقدر، حتى ندرك أننا لسنا على أنهر لا تتوقف أو حيوات لها ضمانة البقاء أبد الآبدين. إن الله لم يوح لنبي الله يوسف أن يدخر سبع سنين من قوت الأرض لمواجهة سنوات الجفاف، إلا لرسالة تعظم إدارة الثروات على نحو لا يجعل المستقبل في عمق المجهول.. بل تجعله قراءة وحساباً وتحوطاً.. بينما يغرق الكثيرون منا في أمانٍ وأحلام بعيدة سوى لأنهم لا يريدون أن يتعبوا عقولهم في فهم سنن الله لتجعلهم أكثر قدرة على التحوط وبناء ما يقيم الحياة في ظروف الأزمات والانحسار الكبير. أرى جيلاً سيواجه أصعب التحديات، وسيعاني كثير من المرارات إذا ما استمرت عقلية الاستهلاك والانتظار على أبواب أمل كذوب. أرى جيلاً غير مسؤول، لا يرى الإنفاق إلا مظهراً للسعة، ولا يرى التسوق الشره سوى اعتراف بقدرته، ولا يرى الحياة سوى وظيفة سهلة ومال سهل.. وهو العاجز عن تحصيل قوت يومه لولا ظروف لا علاقة له بصنعها. أرى جيلاً يطارد وهماً أو سراباً، وأرى عقولاً تدثرت بالأمل بلا حصاد يمكن الثقة به، وأرى نفوساً تضيق بمن يثير أسئلة المستقبل فهي لا تريد أن تفكر به، ناهيك أن تجتهد في التقاط العبرة من مصائر الأمم والشعوب. لمراسلة الكاتب: aalqfari@alriyadh.net