رغم أن الأسواق لم تشهد الأسبوع الماضي مستويات تسعير مواتية من الناحية الفنيّة لرفع أسعار الفائدة الأمريكية (نحو 28% بعد اتخاذ معظم التدابير)، إلا أن المشهد لم يخلُ من مفاجآت كبرى وموجة ارتباك واسعة ترافقت مع إعلان لجنة السوق المفتوحة الفيدراليّة مساء الخميس الماضي عن التمسك بقرارها حول أسعار الفائدة. يعزى ذلك إلى انقسام متقارب جداً في آراء المحللين الاقتصاديين حول النتائج المرجوّة؛ إذ اكتسب أولئك الذين ينشدون صعود الأسعار زخماً أكبر خلال الأيام القليلة التي سبقت إعلان اللجنة الفيدرالية حتى لو لم يبذل مجلس الاحتياطي الفيدرالي جهوداً كافية لرفع أسعار الفائدة. في الواقع، تغاضى الاحتياطي الفيدرالي عن الفرصة السانحة لتشديد السياسة النقدية لأول مرة خلال 9 سنوات رغم أن كثيراً من الأسواق كانت ستتقبل أسبابه إذا ما استمر في نهجه ورفع أسعار الفائدة بنسبة 0.25% أو حتى أقل من ذلك. ومع تضاؤل الفرص السانحة لاتخاذ إجراءات مناسبة، سيكون الاحتياطي الفيدرالي عرضة للمخاطر والارتباك بما قد يغيّر مجرى الأحداث ويجعلها أكثر صعوبة خلال الربع الأخير لعام 2015،فضلاً عن انحسار الأدوات المتاحة لمواجهة أي صدمات خارجيّة. ويبدو أن النقطة الأساسية لقرار الاحتياطي الفيدرالي في المحافظة على وضعه أخذت بالتراجع بعد القرار الجديد، وتجلى ذلك في تعليق لجنة السوق المفتوحة: إن التطورات الاقتصادية والمالية العالمية الأخيرة كبحت النشاط الاقتصادي إلى حد ما، ومن المرجح أن تلقي مزيداً من الضغوط على مستويات التضخم في المدى القريب. وبالرغم من التحسن المستمر للأساسيات الاقتصاديّة المحليّة، يبدو الاحتياطي الفيدرالي أكثر قلقاً في الوقت الراهن إزاء تباطؤ الاقتصاد العالمي بما يشير ضمنياً إلى المستجدات الأخيرة في الصين وغيرها من الأسواق الناشئة، وانكماش أسعار السلع الأساسية، وربما قوة الدولار الأمريكي. ولعبت هذه القضايا الأساسيّة دوراً رئيسياً في ترجيح الكفة لصالح مزيد من الانتظار وترقب صدور بيانات جديدة حول سوق العمل والأسعار أيضاً. من جهة ثانية، لم تقدّم رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي جانيت يلين سوى تفاصيل مقتضبة حول ما قد يدفع المجلس إلى تشديد السياسات النقديّة. وقد تراجع مجدداً معدّل التضخم غير المتسارع للبطالة رغم أن معدل البطالة - الذي لامس في أغسطس المستوى الذي توقعه الاحتياطي الفيدرالي مسبقاً - تركز على التوظيف بدوام كامل (5.1%). ورغم ارتفاع التوقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، ولكنها ما لبثت أن تراجعت بعد ذلك مع انحسار توقعات مسار رفع الفائدة (dot-plot) للاحتياطي الفيدرالي بشكل طفيف، مما ينبئ بحدوث ارتفاع لمرة واحدة في أسعار الفائدة بحلول نهاية العام وتسجيل مستوى توازن منخفض على المدى الطويل عند 3.50% (ولكن المستوى لا يزال مرتفعاً للغاية بالنسبة لمعظم التقديرات). وتشهد التعليقات التي تدلي بها يلين تغيرات مستمرة تبدو عشوائية إلى حد كبير ومتناقضة أحياناً؛ حيث أكدت في يوليو/تموز الماضي أن الاقتصاد الأمريكي لن يتساهل مع الأمور الجوهرية، ولكنه بحاجة لرفع أسعار الفائدة، ولكنها هذه المرة تؤكد وجود مبررات لرفع الأسعار حالياً، ثم تلجأ لموازنة هذا الحديث بالتأكيد على أن الوضع الخارجي أصبح أكثر غموضاً في الآونة الأخيرة. وفي الوقت نفسه، أعربت يلين عن عدم رغبة الاحتياطي الفيدرالي بالمبالغة في تأثير التطورات الخارجية، وقللت في إحدى الحالات من تأثير قوة الدولار عبر إبراز الأهمية الكبرى للمستهلكين بالنسبة للاقتصاد الأمريكي. تيم فوكس *رئيس الأبحاث في مجموعة بنك الإمارات دبي الوطني