×
محافظة المنطقة الشرقية

العراق: قوات أميركية تنفذ دوريات برية في الأنبار لقتال داعش

صورة الخبر

قدم بورديو في دراساته الاجتماعية ما أطلق عليه مفهوم البيئة، الذي يعده نظاماً من المزاجات المستمرة والقارّة لكن القادرة على التحول. كما نظر إلى البيئة بوصفها مفهوماً متفلتاً، لأنه كان ينظر إلى البيئة على أنها مجموعة من استراتيجيات واختيارات واعية أكثر منها معنى متجسداً للعالم ولمكان الفرد فيه. ويقع خلف هذه التوجهات التفكير الرئيس لدى علماء الاجتماع بكافة أطيافهم، من أن هناك عمليات استبطان داخل الأفراد توجد لديهم من خلال التنشئة الاجتماعية المبكرة داخل الأسرة أو المجموعة الأولية، التي يتكون فيها أساس هياكل التفكير الرئيسة، والنظرة إلى الأشياء والعوالم المختلفة. هل يجد أحد منا تطبيقات تلك النظرية في الممارسات الفردية أو المؤسسية التي يعايشها في حياته اليومية؟ بالطبع سيجيب كثير منا بالإيجاب عن هذا السؤال؛ وأنا بدوري سأنقل تجربة مررت بها مؤخراً مع احدى شركات الطيران الخليجي الذي نستعين به أحياناً للوصول إلى مطاراتنا المحلية. فقد حجزت رحلة مؤكدة ومدفوعة على متن تلك الشركة التي تعلن في بدء انطلاقها دائماً أنها الناقل الوطني لبلدها، دون أن تلقي بالاً لتبعات ما تمارسه مع عملائها على الوطن الذي تتباهى بأنها الناقل الرسمي له. فعندما تقدمت إلى مكتبهم في محطة الانطلاق الأولى معهم، أخبرني الموظف بأن بطاقة الصعود (البوردنغ) للجزء الثاني من الرحلة (إلى الرياض) يمكنني الحصول عليها من مطار دولة مجاورة؛ وما أن وصلت إلى المطار، حتى فاجأني الموظفون بأن الرحلة التي لديّ حجز مؤكد عليها ممتلئة، وأن عليّ الانتظار ساعة، لينظروا في موقعي من قائمة الانتظار رغم كون حجزي مؤكداً عليها، وإذا كان بالإمكان الحصول على مقعد عليها. وبعد مراجعتهم تأسفوا أنهم لم يتمكنوا من الحصول على مقعد لي على تلك الرحلة، لكونها ممتلئة؛ تصرخ أو تتظلم هذه هي حال الفوضى المقننة؛ حاول أن يحاججني مدير المحطة بأن هذا الإجراء (overbooking) متبع في عدد من شركات الطيران في العالم. قلت له: نعم، هو متبع في أمريكا، لكنهم هناك لا يلغون حجز أحد من طرف واحد، بل يُعلنون لزبائنهم بأن هناك حضورا أكبر من المقاعد الممكنة، ويعرضون عليهم إغراء بالتعويض المالي أو برحلة مجانية أخرى لمن يتنازل طوعاً عن مقعده. وعندما عرف أني أعرف الإجراءات المتبعة عالمياً، عرض عليّ التعويض، لكنه كان تعويضاً غير اختياري. فقلت: على الأقل، هو اعتراف بأنهم مخطئون، وسايرته في الإجراء. وعندما علمت بأنه تعويض لا يمكن استخدامه إلا بالطيران على نفس الخطوط مرة أخرى، قلت له: للأسف، لا يمكنني الاستفادة من مثل هذا التعويض، لأنني لا أفكر أن أستخدم هذا الطيران مرة أخرى. أما الأمر الآخر، الخارج عن الإطار العالمي في القوانين والأعراف، أن المطار يتيح للمدخنين مضايقة الآخرين، بأن يسمح لهم بالتدخين في غير الغرف المخصصة لذلك، كما هي الحال في جميع مطارات العالم تقريباً. وهذا ما يجعل هذا المطار إضافة إلى ذلك الناقل بالنسبة إلي من الخيارات المستبعدة في أي تخطيط مستقبلي. عودة إلى البيئة وترحيلها، التي استعرضناها في بداية هذه المقالة، نقول بأن هذه البقعة التي كانت حالمة يوماً ما، لم تغادر ذلك الوضع بالتفكير أنه لا فرق بين تنظيم رحلات جوية دولية، ورحلات اللنشات البحرية، التي تقتضي وجود ركاب في المحطة، دون وجود منافسة أو التزامات ضرورية لدى زبائن تلك الرحلات.