مثلما رأينا فإن مجلس الشورى قد أجل التصويت في جلسة يوم الاثنين الماضي على العديد من الموضوعات المهمة المتعلقة بقطاع الإسكان إلى ما بعد إجازة عيد الأضحى، وأول تلك الموضوعات مطالبة وزارة الإسكان بتقديم برامجها التنفيذية للخطط المتعلقة بتوفير المنتجات السكنية للمواطنين، أي متى وكيف وأين ستكون تلك المنتجات، ولا يقل عن ذلك أهمية توصية لجنة الخدمات التي تطالب الوزارة بفصل قوائم الانتظار على بوابتها، بحيث يعجل الإقراض للراغبين في شراء وحدات سكنية من القطاع الخاص، ودعم البند المخصص لذلك من المبالغ المعتمدة. وكما يبدو لي فإن الوزارة على المدى القريب لن تتمكن من وضع برنامج تنفيذي للمنتجات التي يفترض أن تقدمها للمواطنين، وذلك لأن البيئة العقارية والقطاع العقاري غير متطورين بالشكل الذي يمكن المواطنين عبر القروض المقدمة بتملك السكن الخاص بهم، فنحن إذا نظرنا إلى تجربة الإسكان في البلدان التي حققت نجاحات في هذا المجال مثل كندا فإننا نلاحظ أنه من أجل حل هذه المسألة كان لا بد أولاً من خلق بيئة عقارية متطورة، وهذه الأخيرة لا يمكن إنشائها بدون تدخل الحكومة غير المباشر فيها من خلال سن التشريعات والقوانين التي تشجع قطاع الأعمال على إنشاء شركات عقارية حديثة تغطي ما بين 70 إلى 80% من طلبات واحتياجات المواطنين من ذوي الدخول المختلفة. أما النسبة الباقية 20 إلى 30% والتي لا تسمح بدخولهم بالاستفادة من آليات سوق الإسكان في القطاع الخاص فإن الهيئة الملكية الكندية للإسكان تتكفل بمعالجة أمورهم. ولكن باعتبار أن التشريعات العقارية لدينا كانت وإلى الأمس القريب معيقة، قبل أن يقر مجلس الشورى نظامي الرهن العقاري والإيجار التمويلي، فإن النسب المذكورة أعلاه قد تكونت عندنا بعكس ما في البلدان الأخرى، إذ إن بعض التقديرات تشير إلى أن هناك ما يقارب 70% من المواطنين لا يمتلكون سكنا خاصا بهم، ولهذا فإن التعجيل بالقروض للراغبين في شراء وحدات سكنية من القطاع الخاص سيصعب على الوزارة تنفيذ برنامج المنتجات السكنية، فهذه القروض إذا ما قدمت للبعض، في ظل البنية العقارية المشوهة التي نعيشها، فإنها سوف تعقد المشكلة بدلاً من أن تحلها، فالسيولة إذا ما زادت بشكل كبير فإنها سوف ترفع الطلب بنفس النسبة، وهذا ما تنتظره الشركات العقارية على أحر من الجمر لرفع الأسعار خصوصاً لأصحاب المنتجات أرض أو أرض وقرض، فهؤلاء سوف يجدون أنفسهم بين عشية وضحاها أمام أسعار للعقار لا قبل لهم بها، وليس ذلك وحسب فارتفاع أسعار العقار سوف تنعكس على تكاليف المعيشة، وعلى هذا الأساس فالحاصلين على أراضٍ أو أراضٍ وقروض سوف يكونون محتارين في ظل ارتفاع التضخم، الناجم عن تقديم القروض، على أين من الأمرين انفاقها: تغطية تكاليف المعيشة أم بناء الوحدات السكنية التي أصبحت الأموال المقترضة لا تغطي إلا جزءا من تكاليفها. وهكذا فإن الخيار الأمثل في مثل هذه الظروف هو، -على ما يبدو لي- تدخل الحكومة المباشر من خلال وزارة الإسكان وتقديم منتجات سكنية جاهزة للمحتاجين مع آلية خاصة للتسديد أو الإعفاء.