×
محافظة المنطقة الشرقية

منح الأمانة العامة للنواب «الجائزة الذهبية» على مستوى العالم العربي

صورة الخبر

العراق شلّة من المشاكل، حتى في تسميته. عرفه الأقدمون بأرض سومر، ثم أرض أكد، ثم مملكة بابل، وتحوّلت إلى الإمبراطورية الآشورية، وعرفها العرب باسم أرض السواد، وبعد سقوطها بيد الفرس سمّوها المدائن. وسمّاها الإغريق بلاد النهرين، مسوبوتيميا، وهو الاسم الذي استعمله الإنجليز بعد فتحها. ولكنّ جنودهم نظروا إلى أحوالها فغيّروا الاسم إلى مسبوت Mess Pot (طنجرة أوحال). وشاعت في الأدب العربي باسم العراق. وهكذا قال المتنبي: ليسمع من بمصر ومن في العراق/ ومن في المدائن أني الفتى. وأخذ الحجاج بذلك في مخاطبة أهلها حين قال كلمته الشهيرة: «يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق»! ولهذا الاسم تفاسير كثيرة لا أودّ إضاعة وقت القارئ في أمرها. ولكن نظر البعض إلى انقسام سكانه فعرفوا العراق بالعراقين. وهو ما قاله الرصافي: يا أهل لندن ما أرضت سياستكم/ أهل العراقين لا بدوًا ولا حضرًا ولكن القوم في ثورة العشرين آثروا أن يؤكدوا عروبة البلد فسمّوا بلدهم أخيرًا العراق، ثم المملكة العراقية. غير أنهم اختلفوا، وكيف لا يختلفون، اختلفوا في لفظ الكلمة، فشاعت بين العامة بضم حرف العين في حين حرص المتعلمون على كسرها. ورويت في ذلك طرائف كثيرة. منها ما ذكروه عن نوري السعيد، أو نسبوه لياسين الهاشمي وجعفر العسكري في روايات أخرى. في أثناء مناقشة في مجلس النواب، وقف أحد النواب فتحدّى ساخرًا رئيس الوزراء وقال له: أنت تتكلم باسم العراق وسياسة العراق وما تريد أن تفعله للعراق وأنت لا تعرف حتى كيف تلفظ اسم العراق فترفع العين وتقول «العراق» (بالضمة). فضحك الحاضرون ولكن نوري السعيد وقف وأجاب قائلاً: نعم. أنا أقول العراق بالضمة ولا أقول العراق بالكسرة لأنني أحب وأسعى لأن أرفع عين العراق بين الأمم. فدوى المجلس بعاصفة من التصفيق لهذه البلاغة البرلمانية التي لا تقل روعة في رأيي عن أبدع ما سمعته من ظرفاء الأدب البرلماني في العالم. بيد أن ذلك السياسي البارع، والثعلب العجوز لقي حتفه في ثورة 14 يوليو (تموز) 1958، قريبًا من ساحة التحرير في بغداد عندما كان متخفيًا بثياب امرأة. ولكنهم كشفوه وأطلقوا الرصاص عليه. وكان بينهم مرافقه الخاص سابقًا وصفي طاهر. كلّفوا النحّات الشهير جواد سليم بتصميم نصب لتخليد تلك الثورة، وهو النصب الشامخ القائم الآن في صدر هذه الساحة التي شهدت الكثير من أحداث البلاد. وأصبح ذلك النصب «نصب الحرية» الرمز التقليدي لبغداد اليوم، يتجمع المتظاهرون أمامه كلما ألمّت بهم النوائب، كما يفعلون في هذه الأيام. ويتكون النصب الضخم من أشكال تجريدية من البرونز تمثل ثورة الشعب. مرت أمامها امرأة عجوز فنظرت إلى كل هذه القطع المنثورة من البرونز فتحيّرت في أمرها. ولكنها لم تتمالك في الأخير غير أن تضرب على صدرها وتتمتم فتقول: «يا ويلي عليك نوري السعيد! إش سووا بك الناس»!