فجأة وأثناء انعقاد جلسة المحاكمة، ورغم الرهبة التي تملأ جنبات القاعة، ضحك الجميع حتى القاضي، فقد قاطع الزوج حديث زوجته أمام المنصة صارخاً: لا تصدقوها.. الكلب هو السبب، لقد حوّل حياتي إلى جحيم منذ ليلة الدخلة. كانت الزوجة قد أقامت دعوى أمام محكمة الأسرة، تطلب فيها الطلاق من زوجها الذي أساء معاشرتها وحاول قتلها بالسم، وأثناء إدلاء الزوجة بتفاصيل قضيتها أمام المحكمة قاطعها الزوج وطلب من المحكمة أن تستمع إليه. صابر هو الابن الأكبر لوالدين فقيرين يكادان يكونان معدمين، والده يمتلك محلاً صغيراً للبقالة ودخله غير كافٍ لنفقات أبنائه الخمسة، فجميعهم بمراحل التعليم المختلفة: بالثانوي والجامعة ويحتاجون لمصاريف باهظة، ورغم ذلك فقد استطاع صابر أن يتحدى ظروفه وأن يحصل على ليسانس الحقوق، والتحق بالعمل بمكتب محام شهير بعد فشله في العمل بالنيابة لبساطة المستوى الاجتماعي لعائلته، ولم يكن يملك من حطام الدنيا سوى مستقبله الذي يبشر بكل خير، علاوة على أنه يتحدث عدة لغات بطلاقة بعد أن بذل مجهوداً كبيراً لكي يثقف نفسه بنفسه، كما أنه يحصل على أجر كبير من خلال عمله في مكتب المحامي الشهير. حكايته مع زوجته بدأت عندما قادته المصادفة إلى دخول أحد النوادي الراقية، حيث شاهدها لأول مرة تسير وخلفها كلب صغير يتبع خطواتها، انبهر بها صابر واقترب منها وأبدى إعجابه بها، والغريب أنها لم تصده وإنما وجدها تتجاوب معه بطريقة أثارت دهشته، وكانت الحقيقة أنها شعرت بأنه أول رجل يخاطب عقلها ملتمساً الطريق إلى قلبها ومشاعرها، وليس كسائر الشباب الذين صادفتهم في حياتها، فمعظمهم كانوا ينظرون إليها كامرأة ويتفحصون جسدها ومفاتنها، أما من كان منهم يعرف تفاصيل حياتها وحجم ثروتها فإن الثروة هي الهدف، أما صابر فكان إنساناً رقيقاً مرهف الحس، علاوة على أنه وسيم ويتمتع بخفة دم، بينما هي كانت قد نالت قدراً كبيراً من التدليل وجميع طلباتها كانت مجابة، نظراً لأنها آخر العنقود، كما أنها الابنة الوحيدة لوالديها بعد ثلاثة أولاد يكبرونها في العمر بسنوات طوال، ومنذ أن شبت عن الطوق وهي تمضي معظم أوقاتها في النادي دون أي اكتراث أو اهتمام بتحصيل دروسها، رغم أن والديها أدخلاها مدرسة خاصة بمصروفات باهظة، وكانا لا يبخلان عليها بالدروس الخصوصية في جميع المواد، ومع ذلك فقد حصلت على الثانوية العامة بصعوبة بالغة، وبعد فشل عدة مرات وبمجموع لا يؤهلها لدخول الجامعة، اكتفت بهذا القدر من التعليم رغم التفاوت الكبير بينهما في عدد من الأمور، فقد دار بينهما الحديث بسلاسة ويسر وكأنهما يعرفان بعضهما منذ سنوات طوال، وصارحها بكل ظروفه ومر عليه الوقت سريعاً حتى إن صابر ولأول مرة في عمره وجد نفسه يتمنى أن تتوقف عقارب الساعة عن الدوران حتى لا يتركها، كثرت اللقاءات بينهما وانجرفا في بحر الحب حتى جاءت اللحظة الحاسمة، وهي الزواج. حاولت دنيا إقناعه بالتقدم ليطلب يدها لكنه رفض، فقد كان واثقاً أنه سيقابل من والديها بالرفض عندما يعرفان ظروفه المالية، لكنها أخذت تلح عليه مؤكدة قدرتها على إقناعهما بالموافقة عليه، فقد كانت هي نفسها تحسد نفسها على حبه لها. بمجرد أن أخبرت دنيا والديها عن العريس الذي يطلب تحديد موعد للحضور لطلب يدها، ثارا ثورة عارمة عندما عرفا ظروف العريس المالية السيئة وأنه من أسرة بسيطة جداً، واعتبرا أن ابنتهما سوف تلحق بهما العار وسخرا من حكاية الكفاح وبذل العرق والدموع لبناء عش الحب، لكن دنيا رفضت موقف والديها، فقد كانت تحب صابر حباً حقيقياً، وعندما وجدت والديها مصرين على رأيهما، أكدت أنه اختيارها وحدها وهي المسؤولة عنه، وأصرت على إتمام الزواج ولم تبال بالتهديدات التي تلقتها من والديها، فقد فضلت الحب على الحياة الرغدة، وكان همها الأول هو الزواج من الرجل الذي أحبها وأحبته. تم الزواج في حفل بسيط لم يحضره سوى أقرب الأقارب، وبعد انتهاء حفل الزفاف، اصطحب صابر عروسه إلى عش الزوجية ليبدأ شهر العسل الذي كان كل منهما في أشد الشوق إليه، فوجئ صابر بعروسه وهما على باب الشقة تأخذ الكلب من خادمتها وتحمله معها، وبدلاً من أن تأخذه في أحضانها في ليلة الدخلة أصرت على أن ينام الكلب في حضنها، وبالطبع تم تأجيل ليلة الدخلة، فلم يشأ أن يظهر أمام زوجته قاسي القلب، لكن استمر التأجيل أياماً وأسابيع، وكلما اقترب من عروسه يهجم عليه الكلب وكأنه عدو لها، شكا لوالدها مما يحدث، ورغم اعتراضه عليه في البداية طالبه والدها بالصبر عليها وأخبره بأن دنيا تعيش مع الكلب منذ طفولتها واعتادت عليه ولا تستطيع الابتعاد عنه بسهولة، وعندما طال الأمر على صابر قرر اللجوء إلى الحيلة حتى يتمكن من الانفراد بعروسه، فوضع قرصاً مخدراً في طعام الكلب حتى ينام ويتركه مع العروس ولو ليلة واحدة، لكن دنيا اكتشفت الخدعة وعاتبته على تصرفه غير الإنساني وعاقبته بالصمت التام، ورفض الحديث معه لأيام عدة، حتى فاض به الكيل وطلب منها بصراحة أن تتخلص من الكلب وخيّرها بينه وبين الكلب، ففجئ بها تأخذ الكلب في حضنها وتدخل حجرة النوم وأغلقت على نفسها بالمفتاح من الداخل، وتركته والدماء تكاد تغلي في عروقه من شدة الغضب، أخذ يلوم نفسه لأنه تركها تتصرف مثل هذه التصرفات ويؤكد لنفسه أنها تحتاج إلى طريقة أخرى في المعاملة، ويجب عليه أن يغير من طريقة معاملته لها، فقد عودها منذ بداية الخطوبة على تلبية جميع طلباتها حتى غير المعقول منها، وعندما يفشل أو يمتنع عن تلبية أي طلب كانت تقابل ذلك بنوبة بكاء طويلة تجعله في النهاية يرضخ لما تريد، معللاً نفسه بأنها ما زالت صغيرة وتدريجياً سوف يستطيع أن يغير من طباعها، وقرر صابر في النهاية أن يضع حلاً حاسماً لتصرفات عروسه الطائشة، وبعد تفكير طويل لم يجد سوى وسيلة وحيدة، وهي الخلاص من الكلب وبصفة نهائية، فوضع في الطعام الخاص به كمية من السم كافية للقضاء عليه، لكن لسوء الحظ تذوقت دنيا الطعام بطرف لسانها فكادت تلقى مصرعها وأسرع بنقلها إلى المستشفى، حيث تمكن الأطباء من إنقاذ حياتها، وبعد خروجها من المستشفى اتهمته بأنه حاول قتلها وطالبته بالطلاق وعندما رفض أقامت الدعوى أمام المحكمة. بعد انتهاء الزوج من رواية قصة عذابه مع الكلب، قررت المحكمة تأجيل القضية وطلبت سماع شهود الزوجين قبل إصدار حكمها.