لم يبعث الحديث عن استئناف المباحثات السياسية بين فرقاء الأزمة اليمنية، أي بارقة أمل لدى مواطني البلاد المنكوبة بحرب لم تتوقف منذ ستة أشهر ونصف الشهر والمصابة بشلل سياسي تام منذ سبتمبر/ أيلول العام الماضي، عندما أقدمت جماعة الحوثي المسلحة، وبدعم لوجستي من قوات الرئيس المخلوع علي صالح، على اقتحام صنعاء والسيطرة على مفاصل السلطة فيها. الإعلان عن استئناف المفاوضات بين الحكومة الشرعية والانقلابيين المتمردين بعد أشهر من فشل الجولة الأولى من المفاوضات التي عقدت في جنيف في شهر يونيو/ حزيران الماضي جاء باهتاً، من دون أن تصاحبه مؤشرات جدية في نظر الرأي العام في اليمن، الذي يشهد تصعيداً متعاظماً للحشد العسكري بالقرب من العاصمة صنعاء، من قبل قوات التحالف العربي المساند للشرعية والجيش الوطني، فيما لا يزال المتمردون ماضين في شتى صور الانقلاب على الشرعية والعمليات العسكرية في مناطق عدة من البلاد. في صنعاء توسعت المعاناة الحياتية لساكنيها، تزامناً مع استمرار الغارات الجوية لمقاتلات التحالف في وتيرتها المرتفعة، على معسكرات ومخازن أسلحة يسيطر عليها المتمردون، وهو الأمر الذي كشف مخزوناً هائلاً من السلاح والذخيرة، لُغمت به المدينة منذ عهد طويل، استثمره ويحاول الاستمرار في استثماره صالح وحلفاؤه الحوثيون، أعداؤه في الأمس القريب. ووسط خوف يتعاظم لدى سكان العاصمة صنعاء واليمن عموماً، لا يبدو أن جماعة الحوثي، المتصدرة مشهد الانقلاب، في وارد الدخول جدياً في مسار الحل السياسي، إلا من زاوية تحقيق مكسب في ظل الهزائم التي منيت بها عسكرياً. آخر ما استطاع أن يخرج به المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، في سعيه الماراثوني في فضاء الأزمة اليمنية، هي ورقة السبع نقاط، الموقعة من وفدي جماعة الحوثي والمخلوع صالح في مسقط، التي تم الترويج على أنها أساس التفاوض المرتقب بين الشرعية والمتمردين في اليمن. نص دعوة الأمم المتحدة إلى استئناف العملية السياسية بالتفاوض كان بمثابة آخر ما أمكن للمتمردين أن يضطلعوا به في مواجهة بنود قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي يلزم الجماعة المسلحة بوقف العنف والتخلي عن السلاح والانسحاب من المدن التي سيطرت عليها تباعاً منذ العام الماضي. ففي مسقط تقلصت، آمال قيادة الانقلاب والتمرد إلى حد التحفظ على العقوبات في القرار الأممي وضمنا عدم الاعتراف بشرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بعد أن كانت تقول في التعاطي الإيجابي مع القرار، بما يعنيه وفق نظرها التحايل على جوهر وبنود القرار. وبقراءة نصوص رؤيتي الحكومة الشرعية والمتمردين، التي ظل ولد الشيخ ينقل أوراقها بين مسقط والرياض، يتضح أن ورقة السبع نقاط، هي آخر المحاولات من الانقلابيين للخروج بأقل خسائر ممكنة، لترسو في الأخير على الالتزام بتنفيذ القرار 2216 مع التحفظ على بند العقوبات، المتخذة بحق الرئيس المخلوع صالح ونجله أحمد وزعيم جماعة الحوثي عبدالملك الحوثي واثنين من معاونيه. ومما تنص عليه ورقة السبع نقاط، الموقعة من وفدي صالح والحوثي إلى مسقط، الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بما فيها القرار 2216 من جميع الأطراف، مع التحفظ على العقوبات ووقف دائم وشامل لإطلاق النار وانسحاب الجماعات والمليشيات المسلحة كافة من المدن ورفع الحصار البري والبحري والجوي، فضلاً عن الاتفاق على رقابة محايدة بإشراف الأمم المتحدة وإطلاق سراح المعتقلين، بمن فيهم من وردت أسماؤهم في قرار مجلس الأمن. اللافت في الورقة أنها نصت في بندها الخامس على عودة حكومة خالد بحاح لممارسة مهامها كحكومة تصريف أعمال لفترة لا تتجاوز 90 يوماً، يتم خلالها تشكيل حكومة وحدة وطنية بما لا يتعارض مع الدستور ومن ثم استئناف وتسريع المفاوضات بين الأطراف اليمنية برعاية الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن والتزام كل الأطراف بتسليم السلاح الثقيل إلى الدولة وفقاً لمخرجات الحوار الوطني الشامل. بعد الإعلان المبدئي بموافقة الحكومة الشرعية على الانخراط في المباحثات، أعلنت لاحقاً الرئاسة والحكومة الشرعية، مساء السبت الماضي، رفضها حضور أية مفاوضات مع مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية حتى تعلن المليشيا الانقلابية اعترافها بالقرار الدولي 2216 والقبول بتنفيذه من دون قيد أو شرط، وهو ما أحبط، بعد ساعات من ذلك، إعلاناً كان مرتقباً لولد الشيخ يحدد موعد ومكان انطلاق تلك المفاوضات. وفي هذا السياق يُذكر أن الرئيس اليمني جدد تأكيده للمبعوث الدولي على أن أي حلول سياسية يجب أن تؤدي إلى التطبيق الكامل لقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار 2216 وانسحاب المليشيا الانقلابية من جميع المحافظات وتسليم السلاح وعودة الشرعية. الموقف الأخير للرئاسة والحكومة الشرعية في جوهره لا يعد رفضاً أو تراجعاً عن المشاركة في المفاوضات المفترضة، بل هو تمسك صريح وعلني ببنود القرار الأممي، الذي طالما تضمنت نصوصه دعوات الأمم المتحدة عبارة التطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن، فيما من الطبيعي أن يأتي هذا الاستدراك المتصل بالقرار، للتأكيد على بنوده حرفياً، دون مواربة، أو إفساح المجال لاختراقه، وهو ما كانت قيادة الانقلاب والتمرد تنوي العمل عليه. كما أن هذا الموقف جاء منسجماً مع تطورات المشهد على الأرض في اليمن ومتماشياً مع تقدم الحكومة اليمنية بمعية دول التحالف العربي في خيار الحسم العسكري والتقدم في جبهات القتال، وبالتالي فالحكومة الشرعية باتت قادرة على التحكم في أية مفاوضات سياسية، ما يعني أنه لا يوجد ما يدعوها لتسجيل أي تنازل للمتمردين، مهما كانت طبيعته. هكذا وضعت تطورات المشهد العام مسار الحل السياسي في مهب الريح مجدداً، فيما بات خيار الحسم العسكري يتقدم بقوة أكثر من ذي قبل، لصالح الشرعية والمقاومة، المسنودة بالقوات العسكرية وسلاح الجو التابع لدول التحالف العربي. وعليه يمكن القول أن انطلاق معركة مأرب براً، الأحد الماضي، هو التطور الميداني الفعلي الأول، في مسار الحرب باليمن، بعد دحر مليشيات صالح والحوثي من المحافظات الجنوبية، حيث ظلت جبهات القتال في وسط وشرق وشمال البلاد تراوح في مكانها، عموماً، عدا عن استنزاف مستمر للقدرات العسكرية والبشرية للمليشيات، بفضل هجمات المقاومة وضربات مقاتلات دول التحالف. لم يكن لجماعة الحوثي أن تصل بمليشياتها إلى صنعاء، سبتمبر/ أيلول العام الماضي، ومن ثم إلى دار الرئاسة، لولا المخلوع صالح ومليشياته في القوات المسلحة والأمن، ولم يكن لجماعة الحوثي أيضاً أن تتصدر واجهة الانقلاب والتمرد، إلا برضى صالح وزمرته السياسية والعسكرية والأمنية المتمردة، فهي حرب صالح، الذي تقاطعت مصالحه مع مصالح الحوثيين. بالمقابل، والحرب تشارف على نهايتها، لا يمكن تصور أن الجماعة ستقبل على نفسها، بعد هذه الحماقة الكبرى والمدمرة، أن تكون الخاسر الأكبر في الأزمة، بعد أن دفعت بمليشياتها إلى المحرقة، في سياق استثمارها، هي الأخرى، للمخلوع صالح منذ البداية، وبالتالي بعد مؤشرات الهزيمة الكلية، سيكون عليها أن تضع نقطة آخر السطر لمسارها العسكري بالتسليم، إذا أرادت البقاء في الساحة السياسية، أما صالح فقد وضع نهايته مسبقاً، وهو في هذه الحالة، ليس بمقدوره أن يكون مفيداً للجماعة في نهاية حلفهما المشبوه والملتبس والمدعوم من إيران، التي بات عليها أن تدرك نهاية مشروعها في اليمن.