على رغم أن كثراً استقبلوا نتائجه بـ «النحيب والبكاء» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى التندّر، لكن قراءة معمقة في متن تقرير وكالة «رويترز» واستطلاعها الأخيرين عن وضع المرأة في العالم العربي، جعل آخرين يتحفّظون عن طريقة قراءة هذه النتائج والمنهج المستخدم فيه من قبل الوكالة الإخبارية بالأساس، حيث حلت مصر أسوأ مكان يمكن المرأة أن تعيش فيه، على رغم التاريخ الذي عرفه هذا البلد (الرائد نسبياً في محيطه العربي) في قضايا مساواة المرأة. النتائج المشار إليها خرجت من الاستطلاع الذي أجرته المؤسسة خلال آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) الماضيين في دول عربية، من بين الأسباب التي أدت إلى تدنّي وضع المرأة المصرية كما ذكر في الاستطلاع، ارتفاع معدلات الإكراه على الزواج والإتجار بالنساء كما أشارت الأمم المتحدة في نيسان (أبريل) الماضي أن 99.3 في المئة، من السيدات والفتيات يتعرضن للتحرّش في مصر. وتصف نشوة الأزهري، المسؤولة في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، التقرير بـ «السطحي» و«غير الدقيق»، وتقارنه بـ «مواضيع مجلات الموضة» الخالية «من تحليلات جادة مدروسة». وتعتبر أن مشكلة، كالتحرش مثلاً، مرتبطة في الواقع بظروف تتصل بالحراك المجتمعي القوي، الذي تشهده مصر منذ الثورة مع ما يصاحبه من انفلات من كل نوع. وهي «مقتنعة تماماً» بأن الحراك النسوي قد تضاعف بقوة، وأن صوت المرأة أصبح أعلى وأكثر تصميماً عن أي وقت سابق. وتوضح لـ «الحياة» أن الأمر «كان انتفاضةً ضد ممارسات عام من الحكم «الإخواني» (حتى عزل الرئيس محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو الماضي بعد تظاهرات مناهضة له) وتحجيمه دور المرأة في المجتمع. أعمق من قوانين وممارسات وترى الناشطة الفلسطينية سوما حسين أن التعامل مع المرأة في شكل مهين منتشر عربياً، وأوله التحرّش اللفظي والجسدي، كذلك وجود فضائيات ووسائل إعلام تنشر دعاية ضد المرأة وتدفع لتهميشها ووضعها في درجات دنيا مقارنة بالرجل، نظراً إلى وجود تربية «متحيزة» في البيت والشارع والمدرسة والإعلام، معتبرة أن الأمر أعمق من قوانين وممارسات. وتضيف الناشطة الثلاثينية لـ «الحياة» أن هناك مهمة ثقيلة على عاتق من وصفتهم بـ «الواعين في المجتمع المصري والعربي»، محذرة من أن هبوط مكانة المرأة في مصر إلى هذه الدرجة «ضوء أحمر شديد الخطورة». ويرى الباحث شريف يونس، أن المشكلة الجوهرية في هذا التقرير هي استناده إلى تقارير دولية مضى عليها الزمن (في حالة مصر ترجع مثلاً إلى عهد حكم «الإخوان») ولاستطلاع آراء خبراء. واعتبر هذه الوسائل بحد ذاتها إشكالية. فإذا كان هؤلاء الخبراء أكثر نشاطاً وتمسكاً بالمطالب، فسيميلون إلى منح دولهم أسوأ التقديرات، تعبيراً عن خيبة أملهم من الأوضاع وتخلّفها عن تلبية مطالبهم. وفي معرض شرحه لـ «الحياة»، يشير يونس إلى أنه في ظروف الثورات العربية ارتفع سقف الطموح، بسبب مشاركة المرأة بصفة بارزة خصوصاً. بينما كان المسار السياسي مُحبطاً عموماً. واعتبر أن المواجهة الاجتماعية المفتوحة للتحرّش والاغتصاب وعلانيتهما، وفتح ملفات كانت مهمشة، مثل تجارة النساء التي كانت منتشرة في قرى ومناطق معينة قبل الثورة، أدلة على تقدّم أوضاع المرأة المصرية، لأنها تدل على ردّ فعل على تحرر حاصل، وتُظهر علناً جوانب من اضطهاد المرأة ظلت مكتومة طويلاً بسبب سلبية النساء وخضوعهن. وزيادة الأرقام قد لا تكون مؤشراً إلى زيادات فعلية، بل إلى حراك المجتمع المدني ومقاومة النساء وفضحهن الممارسات ضدهن. لكن نسبة النساء المختونات مثلاً لم ينظر التقرير لها كونها تمثل نجاحاً نسبياً مقارنة بالماضي حيث كانت فيه هذه العادة بدهية ومتجذرة ولا يثار كلام في شأنها. ولا يدري المرء على أي أساس يستند التقرير في حالات راصداً التحسّن أو التراجع مقارنة بالماضي، بينما لا يأخذ بها في حالات أخرى. فمثلاً يورد التقرير أن مصر متأخرة للغاية في مسألة تطوير الحقوق القانونية للمرأة، ووقف التمييز القانوني ضدها، فيصنّفها ثالث أسوأ دولة، وفي موقع متأخر جداً عن الصومال (ترتيبها الحادي عشر). كما يورد التقرير أن قيمة أي قانون مرتبطة أساساً باستقرار دولة تنفذه، ما يثير أسئلة عميقة في شأن الترتيب الخاص بالصومال، وعما إذا كانت النتيجة ستختلف لو تناولنا الوضع القانوني المقارن إجمالاً، بدلاً من رصد التغيير في مواجهة التمييز. وهي بالطبع تساؤلات يستطيع باحثون مختصّون التصدّي لها في شكل أفضل وأكثر دقة. لكن، هناك عموماً تساؤلات منهجية في شأن هذا النوع من الاستطلاعات. فبصرف النظر عن التساؤل عن منهجية اللجوء لخبراء لا يمثلون المجتمع ولا أوضاع المرأة العامة في المجتمع (أكثر من نصف الـ90 مليوناً من المجتمع المصري نساء، معظمهن ومعظم شرائحهن يخضن معركتهن بعيداً من أعين المجتمع المدني المهتم المحدود القدرات ومساعدته). والأهم من ذلك أن المؤشرات الرقمية كثيراً ما تكون مضللة. مثلاً تتقاضى المرأة في معظم الأعمال أجراً مساوياً أو مقارباً لأجر الرجل خصوصاً في الوظائف العامة. لكن هذا لا يعني أن أوضاع المرأة العاملة في الحكومة المصرية أفضل منها في أميركا، حتى في مجال العمل. وهذا لا يعني أن لا فائدة من الإحصاءات، بل إن هذه الأرقام لا تصلح إلا كمادة خام، تحتاج إلى عمل جدي لتفسيرها في سياق تاريخي ومجتمعي وسياسي. تحفّظ وتقول نيفين عبيد، الباحثة في «جمعية المرأة الجديدة» في القاهرة وعضو «تحالف المنظمات النسائية»: «إنها لا تستطيع مبدئياً إنكار صحة نتائج التقرير، خصوصاً أن مصادره «محترمة»، إذ يعتمد على تقارير منظمات «يونيسيف» والأمم المتحدة والمسح الديموغرافي لمصر». لكنها تشدد على أهمية معرفة التوجهات السياسية لمركز استطلاع «رويترز»، ولماذا اختار هذه الفترة الزمنية والعالم العربي تحديداً؟ وتستدرك أنه: «علينا التعامل مع النتائج، على رغم صدمتها ولا ننكر الحقائق، بل تجب مواجهتها (...)». وتضيف: «ليست لدينا حساسية من مضمون التقرير، لكن نتحفّظ عن طريقة نشر النتائج والمقارنات والتراتبية، فنحن جزء من مجتمع دولي، وجزء من عملنا مثلاً بعد سقوط نظام مرسي، مواجهة الضغط الدولي الذي يعتبره حاكماً شرعياً ولا ينظر مثلاً لحالة الافتئات على حقوق المرأة في عهده. فدول غربية تتغاضى عما يحمله خطاب الإسلاميين ضد المرأة من ناحية تبنيهم خطاباً حاضناً للتمييز، وبيئة تدعو إلى عودة المرأة إلى البيت، بل إن غالبية الإسلاميين تعتبر حقوق المرأة المصرية هبة من نظام الرئيس السابق حسني مبارك وزوجته سوزان، وليست حقاً مكتسباً وطبيعياً للمرأة». وتتابع: «يكفينا معاناتنا كمدافعات عن حقوق المرأة وما واجهنا مع دستور «الإخوان» والحوارات العقيمة وتحريض نساء أمثال منال أبو الحسن وعزة الجرف من قيادات جماعة «الإخوان» وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة». وتوقعت عبيد أن يكون هناك دفعة إيجابية لحقوق المرأة بعد عزل الرئيس مرسي، ومناخ وسجال سياسي ومجتمعي يعطي فرصة للتغيير نحو تمكين للمرأة المصرية. لكنها انتقدت تظهير الدراسة سلبيات كل دولة في مجال حقوق المرأة من عنف أو تمييز ضدها، كذا اعتمادها على تقارير أممية أو دولية، من دون الاستعانة باخرى محلية مختصة(...). ومن كردستان العراق يرى حميد فَيلي أن دولاً عربية مثل مصر ولبنان وتونس سورية والعراق ولبنان كانت سباقة في تحسين الوضع الاجتماعي للمرأة، لا سيما في التعليم والصحة والمحاماة والإعلام. لكنها تعيش الآن حالة غير طبيعية من العنف الممنهج وصعود المد الديني. واعتبر أن الدراسة لا تعكس إلا حالة العنف العام وبعضه ضد المرأة. وأضاف: «في البلدان التي ذكرتها يعاقب القانون المعتدي على الآخر ككل، وهناك حق الرد المكفول في التشريع. ولا تمييز مكتوباً واضحاً ضد المرأة في هذا الصدد». وأكد فيلي المختصّ في الإحصاء لـ «الحياة»، أن الدراسة لا تمثل حقوق المرأة في العالم العربي عموماً وفي مصر خصوصاً، لأنها شملت «حقبة زمنية عمّ فيها العنف ضد الكل والأقليات الأضعف وليس فقط ضد النساء. كما أنها لم تختر عينات عشوائية من الفئات كلها، ولم تراعِ التوزيع الجغرافي والحضري».