إذا كانت النظريات السياسية، التي قامت عليها أنظمة قوية ومستقرة كُتب لها الدوام طويلاً، مطلباً عسيراً مناله في العالم العربي، فإن على المنظرين البحث في مستويات أخرى من الحياة، فقد تكون فيها سبل النجاة. على الفكر الرصين المتدبر المتفكر أن يجتنب الغرور الساذج، فلا يتوهم أن الاقتداء ببعض الأنظمة في عالم الحيوان، إنما هو اعتراف ضمني بأن الأدنى هو الأعلى. إذ لم تعرف البشرية منذ نشأتها، نظاماً أرقى مما في مملكتي النمل والنحل. وإذا كانت الملكية في بريطانيا غير بعيدة من الألف سنة، فإن مملكة النحل لم يزعزعها ربيع عربي منذ مئة مليون سنة، رغم أن الآدميين الجشعين يسرقون عسلها وغذاء ملكتها وبروبوليسها قروناً لا تُحصى. لو كان للمذاهب الفكرية والسياسية نزاهة عالية، لاعترفت بأن الألوان والدرجات الاشتراكية، بل كل تجربة اشتراكية كانت أو ستكون، في النظرية أو التطبيق، لن تزيد قيد شعرة على أن تكون محاولة تقليد ضئيلة، لما حققه النحل والنمل قبل وجود البشر بعشرات ملايين السنين. النظام السياسي لدى تلك الكائنات الظريفة يتمثل في قمة الإدارة والانضباط في توزيع المسؤوليات، والتفاني في تقديم ذروة العطاء والسخاء، من دون أدنى سعي إلى امتلاك وسائل الإنتاج، لك أن تلخص هذا النظام في ثلاث كلمات: عسكري طائي زاهد. بصراحة ونزاهة: أليست هذه صفات وسلوكاً وقيماً فوق مستوى المرتبة البشرية في سلم الخُلق؟ كل شيء يجب أن يعاد فيه النظر: الذكاء والسلوك والأعراف والدساتير والمبادئ والتجارب وألف واو. للحقيقة والتاريخ، الإنسان أيضاً ليس خالياً من الفضائل، فقد سخر حشوداً لا تعد من العقول النيرة في البحوث والدراسات، في علم الأحياء وغيره، لمحاولة اكتشاف أسرار عالم ممالك النمل والنحل. البركة في الطباعة والغرافيك، اللذين لولاهما لظل المرء يتصبب عرقاً لكي يرسم صفحة كلها سداسيات أضلاع متساوية مثلما يفعل النحل بالشمع. الحق يقال، لقد اختار الإنسان قامات علمية رفيعة لتجلس بأدب التلميذ، محاولة فك رموز دروس الأستاذتين النحلة والنملة، لكن البشرية تحتاج إلى كوم قرون لتبدع شعوباً عسكرية حاتمية زاهدة. لزوم ما يلزم: النتيجة النحلية: الأقوياء وضعوا يد العالم العربي في عش دبابير، وزرعوا فيه خلايا نائمة. abuzzabaed@gmail.com