نظمت جمعية الناشرين الإماراتيين، صباح أمس، في مكتبة الشارقة العامة ندوة تحت عنوان رؤى طموحة لكتاب الطفل شارك فيها كل من الدكتورة مريم الشناصي رئيسة الجمعية، وعبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، وعائشة حمد مغاور الأمينة العامة للملتقى العربي لناشري كتب الأطفال، والفنانة الدكتورة نجاة مكي، والدكتور أسامة عبد الباري رئيس قسم الاجتماع في جامعة الشارقة. استهلت الندوة بكلمة للدكتورة مريم الشناصي تحدثت فيها عن التحديات المادية والثقافية التي تواجه صناعة الكتاب في الإمارات، وقالت إن مهمة جمعية الناشرين الإماراتيين هي تجاوز هذه التحديات، وضمان تطوير صناعة النشر واستدامته، وتهيئة البنية التحتية اللازمة لإقامة صناعة نشر متقدمة، والمحافظة على حقوق الناشر على غرار الجمعيات الفكرية والإعلامية التي تسعى للحفاظ على حقوق المؤلف. وأضافت الشناصي أن صناعة الكتاب تحتاج إلى الرسام المتخصص، وإلى متخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع، وذلك يقتضي تكاليف مادية باهظة يعجز الناشر الإماراتي عن دفعها، فيلجأ إلى شراء حقوق ترجمة كتب أجنبية للأطفال، محملة بثقافة مجتمعات مغايرة، ما يعني أننا نعلم أطفالنا ثقافة لا تناسب مجتمعاتنا، ونغرس فيهم قيماً تختلف عن قيمنا الحضارية. الدكتورة عائشة حمد مغاور تحدثت عن أهمية هذه الندوة الحوارية ودورها في تشكيل الاهتمام بكتاب الأطفال والاهتمام بهذا الإنتاج، وأن هناك حاجة إلى ماسة إلى مثل هذه الندوات التي تبين الهوية الصحيحة لكتاب الطفل، وما ينتظره المجتمع والطفل منه، وقالت إن ما يسعى إليه الملتقى العربي لناشري كتب الأطفال هو البحث مع الناشرين عن الوسيلة المثلى لتقديم كتاب يمثل الطفل العربي، ويرسخ هويته. مداخلة عبد العزيز المسلم كانت عن التراث الثقافي وكتاب الطفل ركز فيها على أن القصص الشفاهي كان وسيلة مثلى لغرس القيم في نفس الطفل، وأن القصاصين كانوا من الحنكة والاحتراف بحيث يقدمون للطفل الواقع كما هو فينطبع في ذهنه بحقائقه كاملة، ما يؤدي إلى أنه يتربى وهو يميز تماماً بين الخير والشر، وتنغرس فيه القيم الإنسانية الصحيحة، وهذا ما يسمح للطفل بفهم رمزية تلك الأشياء الواقعية عند نقلها من مجالها الأصلي إلى مجال آخر واستخدامها لبيان واقع غير واقعها، فالثعلب في الثقافة التراثية يتعرف إليه الطفل بوصفه خبيثاً مخادعاً، فعندما ينقل هذا الثعلب من ميدانه ليوصف به شخص، فتقول لطفل ما هذا الرجل ثعلب، فإنه يفهم أن ذلك الرجل مخادع، وهذه الفاعلية الانتقالية لم تكن ممكنة لولا وضوح طريقة التربوية التقليدية وسهولتها. وأشار المسلم إلى أن القصص الشعبي، والأدب الشعبي، عموماً كان يمثل تعبيراً جمالياً عن تجربة إنسانية محملة بقيم الخير والسمو التي يؤمن بها المجتمع، وهو يؤدي وظيفة تربوية مقرونة بمتعة وتسلية، وقد نجح على مر الزمن في الوصول إلى أهدافه تلك. مداخلة الدكتورة نجاة مكي تركزت على مدى تأثير القيم الفنية التي تحملها الرسوم في نفس الطفل، من حيث الوضوح، وتوزيع العناصر والضوء، وإدخال عناصر وأشكال تخص عالم الطفل، فالكتاب يعكس وعي الفنان بالواقع النفسي والعقلي للطفل واختياراته، وأسلوبه في التعاطي مع العالم من حوله، وكثيراً ما يضع الناشرون رسوماً أجنبية على كتب لأطفالنا تحمل قصصاً عن حياتنا، فتبدو الرسوم نافرة لا تعكس مضامين الكتب، ولا تحيل إلى مجتمعنا، ما يشوه الصورة في ذهن الطفل. وأشارت مكي إلى أن مجلات الطفل قبل ثلاثة عقود كمجلة السندباد، وماجد كانت مهتمة بالصورة، وبملاءمتها لواقع الطفل، وكانت تلك الصور تحيل إلى واقع المجتمع وتراثه، وتغرس في أطفال تلك الأجيال حب المجتمع والحضارة والتراث، وتجعلهم ملتصقين بالأرض منتمين إلى الوطن، بينما اليوم تبدو المجلات والكتب مملوءة بهذا اللون من الرسوم المستوردة الشاذة التي لا يفهم الطفل دلالتها، ولا تحيل إلى شيء يرتبط بواقعه ومجتمعه. وختمت مكي بأن الصورة عندما تكون واضحة متكاملة العناصر وموزعة بشكل جيد، ونابعة من حياة مجتمع الطفل وقيمه الواقعية والتراثية، فإنها تغني عن الكثير من التفاصيل والكلام، وتترك من التأثير ما لا يتركه غيرها من وسائل التعبير. الدكتور أسامة عبد الباري في مداخلته الأبعاد الاجتماعية في كتب الأطفال قال إن كتب الاطفال ينبغي أن تتجه إلى تكريس الجانب الإيجابي من قيم وتراث المجتمع في فكر الطفل، وتغرس فيه القيم الحضارية والإنسانية، وأن تراعي مع ذلك التنوع والحفاظ على خصوصيات كل المجموعات البشرية المكونة للمجتمع، بحيث يتربى الطفل على مفاهيم إيجابية حول التنوع والتعايش، ومن دون أن يعيش تناقضاً بين خصوصيات جماعته والقيم العامة للمجتمع أو الوطن، ورأى أن ذلك يمكن تحقيقه بإجراء بحوث ميدانية عن المجتمع الذي نريد أن نكتب لأطفاله الكتاب، والإحاطة بخصوصياته، ومعرفة توجهات واهتمامات الطفل حتى يمكن أن نقدم له القيم في إطار يحبه ويميل إليه. وأضاف عبد الباري أن الدور الأساسي في التربية الاجتماعية يعود إلى الآباء وعلى التربويين أن يعملوا مع الآباء ويوجهوهم إلى الطريقة الصحيحة للتعامل مع أبنائهم، وكيفية غرس القيم الإيجابية في نفوسهم.