إنني من الناس المؤمنين بالسلام، ليس عن عدم قدرة، ولكن عن قناعة بأن الحياة السوية لا تستقيم إلا إذا عمها السلام، ولو أني لم أكن إنسانا، فهناك احتمال كبير أن أكون ذكر حمام أو ببغاء أو على الأقل ذكر بط، المهم أن لا يصيدني أو يأكلني أحد. وما أبعدني عن أن أكون جنديا في ميادين القتال، لأنني لا أريد أن أكون لا قاتلا ولا مقتولا، ولو أن كل جنود جيوش العالم كانوا على شاكلتي لعانقوا بعضهم بعضا، ثم أخذوا يرقصون رقصة (الدحية). لهذا عشت حياتي بمنأى عن أي صراع، وما أكثر ما تنازلت طلبا لراحة البال وعدم تصديع رأسي. وأسوأ الناس حظا هو الذي (لا يسعد ولا يسلم من النجاسة) - بمعنى هو الإنسان الذي يحاول بشتى الوسائل أن يبتعد عن المشاكل ولكنها لا تتركه بحاله، وتظل تترصده في كل خطوة يخطوها -، ويكون عذابه أقدح إذا كان صادرا من شريكة حياته. وأصدق مثال هو ما ذكره الفرنسي (مكسيم غاجيه) في كتابه المعنون بـ(شريكتي جلادتي). وخلاصة تجربته أنه تواصل مع امرأة عبر (الإنترنت) تدعى (زكية مدكور) - ومن اسمها يبدو أنها من أصول عربية -، واستلطفها والتقاها واقترن بها و(عنه ما كان من اقتران)، لأنه لم تمض عليه عدة شهور معها حتى ظهرت هي على حقيقتها الشرسة المريضة. فالرجل يشبهني من ناحية حبه للسلام، ولكن كيف يتأتى له ذلك وهو بهذا الضعف، فأصبح المسكين أشبه ما يكون (بالعبد المنزلي) كانت زوجته المستبدة المفتولة العضلات، ترغمه بالنوم على الأرض في مدخل الشقة، وتحرمه حتى من دخول الحمام الذي تغلقه وتضع مفتاحه في جيبها، والويل له كل الويل لو أنه حاول الدخول عليها في غرفتها، فهي لا تقابله إلا بالسوط الذي يلهب ظهره - حسب ما ذكره في كتابه -، وهي فوق ذلك كله صادرت أوراقه الثبوتية وبطاقته المصرفية وكل مدخراته، وتركته كالكلب الجربان. وبعد أن استطاع أن يسرب مخطوطات كتابه لأحد الناشرين، انتبهت هيئة (حقوق الإنسان) لمأساته، ورفعت قضية ضد زوجته، وحكموا عليها بالسجن ثلاث سنوات مع تعويضات تفوق (200) ألف يورو، وإخضاعها للعلاج النفسي من إدمانها على الكحول. لقد تحولت قصة حب (مكسيم لزكية) إلى كابوس. الواقع أنني بعد أن وقفت على ملابسات ونتائج تلك القضية حتى اقشعر لها بدني لا شعوريا، فتخيلوا لا سمح الله لو أنني كنت في مكانه. ومشكلة لو أن عالم الإنسان أصبح مثل عالم الذئاب، فالذئاب القوية هناك هي التي تفرض سيطرتها، ولا تترك للضعفاء أي فرصة على مجامعة الذئبات. ومما يدعو للقهر أكثر أن الذئب القوي عندما يصطفي ذئبة، يحق لهما وحدهما أن يرفعا ذنبيهما أمام أي من الذئاب الضعيفة المتحسرة. صدق من قال: (إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب)، والحمد لله أنني لست من هذه الفيصلة، لأنني لو كنت فسرعان ما سوف أؤكل حتما. فهل مر عليكم بالله إنسان بمثل هذا الضعف ؟! نقلا عن عكاظ