دخل شاب عشريني يرتدي سروالاً رياضياً، ساحة التحرير في بغداد. اخترق جموع المتظاهرين حاملاً صورة كبيرة لأنغيلا مركل. سرعان ما التف حوله كثيرون لتقبيل المستشارة الألمانية، فيما تناوبوا على حملها والهتاف باسمها. قبل ذلك، كان لقب «ماما مركل» اجتاح ألسنة اللاجئين في العالم، وفي العراق ابتكر الناس لها، في مواقع التواصل الاجتماعي، لقب العمة. مرت أسابيع على العراقيين يتابعون مواطنيهم الذين حاولوا التسلل إلى أوروبا بشق بحر المتوسط بالزوارق، بعضهم لقي حتفه غرقاً، فيما اعتقلت الشرطة اليونانية من وصل حياً إلى سواحلها. وتفيد مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بأن بيانات جمعت من اليونان وإيــطاليا ومالــطا وإسبانيا، أظهرت أن 137 ألف مـــهاجر وصلوا إلى أوروبا في الفترة بين كانون الثاني (يناير)، وحزيران (يونيو) الماضيين، مقارنة بـ 75 ألفاً في النصف الأول من العام الماضي، بزيادة قدرها 83 في المئة. ويقول صالح مراد، وهو متظاهر كان يحمل صورة مركل، إن «مركل أفضل من ٣٢٥ نائباً في البرلمان العراقي». بين ليلة وضحاها، صارت مركل زعيمة يحبها العراقيون. ابتكروا تصريحات لا حصر لها، عن اهتمام المستشارة بالهاربين من حجيم العراق وسورية. ووصل الأمر حد سخرية مركل من زعماء سياسيين عراقيين، وفي كل ذلك كشوفات عراقية ساخرة عن الفجوة بينهم وبين قادتهم. يضيف مراد الذي كان يحمله رفاقه مع صــورة مركل على الأكتاف: «السيدة الألمانية فعلت ما لم يفعله قادة العراق (…) لقد ذهبت بنفسها لاستقبالهم». وانتشرت صورة مركل في وسائل الإعلام المجتمعية، وكتب عنها مدونون كثيراً من الإطراء. وفي حسابها على موقع «فايسبوك» سجل العراقيون حضوراً مكثفاً، وكتبوا تعليقات باللغة العربية تحيي مركل، «أنت عمتنا»، و»الحاجة مركل». وبلغ حــس الفكاهة إلى مخاطبتها بـ «الأم أنغيلا بنت أبي مركل»، فيما كانوا يطالبونها بالاعتناء بالعراقيين الذين يصلون إلى بلادها فارين من العراق. وأطلق مدونون هاشتاك #كلنا_مركل، و#العمة_مركل. وظهرت مقاطع فيديو لخطابات سياسية لمركل لا علاقة لها بملف اللاجئين، لكن مصممين عراقيين جعلوها تقول شعراً شعبياً عن بلادهم. وأظهر العراقيون شكلاً من العاطفة المبالغ فيها، حين توقعوا أن تكون أسماء العراقيين بعد سنوات ألمانية، وانتشر غرافيك في «تويتر» و»فايسبوك» عن توقعاتهم كما في «شنايدر عبدالله»، و»أدولف حسن». ونشرت الصحافة المحلية مقالات دبجت المديح لمركل، واستعرض كتابها «مواقفها الإنسانية»، لكنها في الحقيقة كانت تستنكر النخبة السياسية التي ظلت صامتة بينما اللاجئون العراقيون عُزل وسط البحار. لقد كشفت العاطفة التي بذلها العراقيون بكرم شديد لمركل، انعدام الثقة بالزعماء العراقيين، وحاجة الجمهور إلى أب يعتني بهم، فوجدوا ضالتهم في «عمة ألمانية». وغطت حملة المديح للمستشارة على وقائع رافقت عمليات منح اللجوء للعراقيين، منها إيقافها لأسباب تتعلق بتشابه قصص اللجوء وأسبابها. يعتقد كثيرون بأن فكرة تحويل مركل إلى «ملاك» يحرس العراقيين، جزء من الانفعال العراقي الذي وصل حدوداً كبيرة للتعبير عن رغبتهم في مغادرة البلاد، رغم دعوات النخبة إلى البقاء و«بناء الوطن».