كان رشدي المعلوف يقول، إنه إذا تقاتل حامل مسدس وحامل قنبلة نووية، سوف يفوز الأول لأن الثاني لا يستطيع أن يستخدم سلاحه. إيران جاءت إلى جنيف ومعها مسدس وقنبلة نووية. دخلت المؤتمر دولة من خارج الدبلوماسية الدولية، وخرجت منه عضوا في «الشرق الأوسط الجديد»، وهو مصطلح مبهم استخدمه الجنرال كولن باول، الرجل الذي قاد من واشنطن حرب العراق. أي على الخريطة. ماذا في هذا «الشرق الأوسط الجديد؟» استنادا إلى الملامح الأولى، تكرس دور لاعب للمرة الأولى هو إيران، وللمرة الثانية عادت روسيا كشريك لأميركا وليس كخصم في رسم المتغيرات. أما الأمر الثالث، وهو مألوف للشرق، فإن صياغته الجديدة تتم في غياب أهله. الجديد هو أن أميركا خرجت من دورها القديم. كانت تقاتل من أجل الموقع الأول، فصارت تدافع عن فكرة الموقع الموازي. وكانت لا ترتضي دخول أحد مواقع نفوذها، فصارت تبحث لنفسها عن مخارج ومهارب. فقدت مرتبتها الاقتصادية عندما أهلكتها الديون والآن تعلن، من غير إعلان، فقدان مرتبتها السياسية. إنها، باختصار، دولة تنسحب. حاول أن تتأمل صور اللقاءات التاريخية. هناك بروتوكول يحكمها، سواء كان المشاركون وقوفا أو جالسين. الملاحظ في جميع اللقاءات الأخيرة أن وزير خارجية أميركا يتنقل من مكان إلى آخر طوال الوقت كأنه يبحث عن صارية. رجل قلق ومضطرب وغير واثق مما يعلن أو يقول. لم يكن هذا سلوك وزيرات الخارجية من قبله: مادلين أولبرايت وكوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون. علما أن الأولى أساءت إلى صورتين: المرأة والدبلوماسية. منذ مجيء جون كيري خرجت تنازلات باراك أوباما إلى العلن. هيلاري كلينتون كانت تحاول أن تغطي آخر مظاهر الهيبة بشيء من الأسلوب الشخصي والهالة السياسية. غير كيري البطاقة الشخصية وأعلن أنه صوت سيده. وصوت سيده غير مسموع. إنه رجل مكبل بالديون ومحاصر بالكونغرس ومأخوذ بأحلام داخلية صعبة. لقد جاء من أجل السمر في أميركا، لا من أجل أميركا. إنه يصانع القضايا الخارجية، أما القضايا الداخلية فيصر على حلها ويحارب من أجلها. أما الخارج فانسحاب من العراق دون أي ترتيبات، وانسحابه من أفغانستان بترتيبات يعرف أنها ستفرط في اليوم الأول، وفي الحقول الأخرى قرر أن يرضي أعداءه لأن أصدقاءه سوف يغفرون. انتهت السياسة الخارجية الأميركية كما نعرفها، يوم استخدم الروس الفيتو في شأن سوريا. نزل اللاعب الأميركي عن الحلبة وضاع بين الجمهور.