"عليك بالمبايعة" جملة ترددت على مسامع محمد، في كل مرة يطرق فيها إحدى الجهات التابعة لـ تنظيم الدولة الإسلامية في دير الزور، باحثاً عن العمل، لإعالة عائلته التي تدهورت أحوالها المعيشية، بعد مقتل شقيقه في معارك التنظيم بريف حلب منذ نحو خمسة أشهر. ويقول الناشط معتز العبد الله، للجزيرة نت، إن تنظيم الدولة مارس "القمع الاقتصادي" من أجل دفع الناس إلى مبايعته، ونجح في ذلك إلى حد كبير، ومثال ذلك "منع آلاف الموظفين من أخذ رواتبهم الحكومية وملاحقة المخالفين، وإغلاق الهيئات والجمعيات الخيرية التي كانت تسد رمق آلاف الأسر، إضافة إلى اختفاء العديد من المهن بسبب الأوضاع الخدمية السيئة التي يعيشها البلد". العبد الله أشار في هذا الإطار إلى أن "غياب التيار الكهربائي، منذ نحو ستة أشهر، أدى إلى اختفاء العديد من المهن المرتبط وجودها بوجود تيار كهربائي، ولا يمكن لكهرباء المولدات تأدية الغرض". وذكر أيضاً أن "غياب الكهرباء رافقه تغييب لمهنة إصلاح أجهزة التكييف التي تنشط عادة في فترة الصيف". علي الفراتي، أكد للجزيرة نت، أنه "منذ دخول التنظيم مدينة دير الزور، بدأ حصاره الاقتصادي من خلال فرض حظر تجوال استمر أسابيع عدة، كما عمد منذ أشهر إلى إغلاق مقاهي الإنترنت التي يقدر عددها بنحو أربعين مقهى، وكانت تعيل أسرا كثيرة". وضرب الناشط أمثلة أخرى حول الآثار الاقتصادية لقرارات التنظيم، من بينها "فرض اللباس الموحد على النساء، والتضييق على ملابس الرجال، ما أثر على محال بيع الألبسة التي أغلق أغلبها أبوابه". الجمعيات الخيرية كانت تقدم مساعدات غذائية لكثير من السكان قبل إغلاقها من قبل تنظيم الدولة (الجزيرة نت) تضييق على المقاتلين وأشار الفراتي، من جانب آخر، إلى إغلاق الجمعيات والهيئات الإغاثية منذ سيطرة تنظيم الدولة على دير الزور في مايو/أيار 2014، منوهاً إلى أنها "كانت تغطي حاجة الكثير من السكان عبر توزيع المعونات الغذائية، أو مبالغ مالية محددة شهرية تحرك العمل في الأسواق". وتطرق أيضا إلى توقف التعليم الذي كان يوفر المئات من فرص العمل. "حارث" أحد المقاتلين المناصرين الفارين إلى تركيا مؤخراً، رأى، في حديث للجزيرة نت، أن الضغوط الاقتصادية لم تشمل المدنيين فقط، بل أثرت على المقاتلين المناصرين أيضاً (الذين بقوا على جبهات القتال في دير الزور دون مبايعة التنظيم). ورأى في هذا المجال، أن "الهدف هو دفعنا إلى المبايعة، ومن بينها قلة رواتبنا البالغة عشرة آلاف ليرة للمقاتل الأعزب، و15 ألفا للمتزوج، وهي قليلة جداً إذا ما تمت مقارنتها برواتب مقاتلي التنظيم الذين يأخذونها بالدولار، وليس بالليرة السورية، كما هو الحال مع المناصرين". إغلاق الكثير من المحال التجارية أبوابها في حي الشيخ ياسينأحد أوجه توقف عجلة الاقتصاد بدير الزور (الجزيرة نت) وأضاف حارث أن "التنظيم عمد مؤخراً إلى إطالة أمد مناوباتنا لساعات طويلة، حتى لا يفكر أحدنا بالعمل بعد ذلك، كونه يسمح بالعمل للمقاتلين المناصرين، لكنه يمنعه عن المقاتل المبايع". مصدر مقرب من تنظيم الدولة (طلب عدم الكشف عن اسمه) نفى للجزيرة نت حصول "تضييق اقتصادي مقصود، أو إجبار أحد على القتال إلى جانب التنظيم، ما لم يكن راغباً بذلك" مؤكداً أن التنظيم "يحاول قدر الإمكانات المتاحة، توفير وضع اقتصادي مناسب للناس". وتابع ذلك المصدر"لا ننسى أن أعداداً كبيرة من السكان تعيش مثلا في محافظة الرقة، وأعمالهم وأرزاقهم وتجارتهم مستمرة أفضل من السابق، لكن ما يحصل في دير الزور هدفه أمني فقط". وفيما يتعلق بالمقاتلين المناصرين، قال المصدر ذاته إنه "من حق الدولة أن يكون من يقاتل إلى جانبها مبايعاً لها، وهي فعلاً تسعى إلى ذلك عبر إقناع من تراه مناسباً، ولعل خروج بعض المناصرين خارج مناطق سيطرة الدولة دليل على عدم وجود تجنيد مباشر أو غير مباشر". محمد يفكر حالياً بمبايعة التنظيم فعلاً، بعد أن أيقن أن لا أمل بالعثور على عمل، ولن يدفعه مقتل شقيقه الذي رأى أن هدفه من الانتساب للتنظيم هو المورد المادي لسد رمق عائلته، وإن لم يصرح بذلك علناً قبيل مقتله، وهذا الهدف، ربما يكون الدافع الرئيسي لمحمد، عند اتخاذه لقرار مشابه مستقبلاً.