اقتصاديًا، ولدت شراكة القرن العشرين بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية عملاقاً لاستخراج النفط، كان له الفضل بعد الله -سبحانه- في تمويل التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، والمساهمة في اختصار الأزمنة والمدد لمَدّ شبكات الخدمات - على تنوعها - لتقرب المسافات في وطننا القارة وتقديم الخدمات لسكانه. ولا مجال لتناول أثر اكتشاف النفط واستخراجه على واقع المملكة العربية السعودية، التي وجدت في إيرادات النفط مورداً رئيساً في نشر التنمية وبناء الاقتصاد، وتناولنا في هذا الحيز سابقاً كيف أن الملك المؤسس استدعى في الأربعينيات من القرن الميلادي المنصرم عدداً من الخبراء الأمريكان للاستفادة من آرائهم حول سبل تطوير البلاد، ثم عرضَ عليهم رؤيته لملامح أول برنامج تنموي شامل للبلاد. ونحن الآن أمام مقترح لشراكة جديدة تبني على الشراكة التي استمرت منذ ثلاثينيات القرن العشرين، منذ أن تدفق النفط من بئر الدمام 7 (بئر الخير)، في مارس 1938. وحالياً، تطرح للنقاش شراكة جديدة في مجالات عدة. الشراكة للقرن 21، ماذا تعني؟ قبل أيام أعلنت السعودية والولايات المتحدة اتفاقهما على مناقشة استراتيجية جديدة مشتركة للقرن الـ21 وكيفية تطوير العلاقة بشكل كبير بين البلدين. وأشار بيان مشترك صدر في ختام الزيارة الرسمية التي قام بها الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- إلى أن ولي ولي العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز قدم إيجازاً للرئيس أوباما شمل رؤى المملكة حيال العلاقة الاستراتيجية، وأصدر خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأمريكي توجيهاتهما للمسؤولين في حكومتيهما بوضع الآليات الملائمة للمضي قدماً في تنفيذها خلال الأشهر المقبلة، ودعا الملك سلمان بن عبدالعزيز الرئيس أوباما لزيارة المملكة العام المقبل؛ لاستكمال تنفيذ «الشراكة الاستراتيجية» للقرن الـ21 بين السعودية والولايات المتحدة». وبين الملك من المكتب البيضاوي مخاطباً الرئيس أوباما: «كما تعرف السيد الرئيس، اقتصادنا هو اقتصاد حر لذلك علينا أن نتيح تبادل الفرص للذين في حقل الأعمال، ولأنه إذا رأى الناس مصالح مشتركة ستعزز العلاقات بينهم». واعتبر الملك سلمان أنه «يجب أن تكون العلاقة مفيدة لكلينا ليس فقط اقتصادياً بل سياسياً وعسكرياً وفي المهارات الدفاعية أيضاً». ونوه خادم الحرمين الشريفين أيضاً بتطلعه لزيارة بلد صديق و«العمل معاً للسلام العالمي». وقال: «إن منطقتنا يجب أن تحقق الاستقرار الضروري لازدهار شعبنا، والحمد لله أنه في بلدنا نحن مزدهرون إنما نريد الازدهار لكل المنطقة ونحن مستعدون للتعاون معك لتحقيق ذلك». ولفت الرئيس أوباما إلى أنه يبحث مع الملك سلمان القضايا الاقتصادية وأمور الطاقة وتعميق التعاون في حقول التعليم والطاقة البديلة والاحتباس الحراري، لأن «الملك يهمه من دون شك توافر الفرصة والازدهار للشباب (السعودي) مستقبلاً ونتشارك في هذه التطلعات». ويبدو أن أمامنا عام كامل يفصل بين القمتين، لوضع الآليات القادرة على بلورة المبادرة السعودية الطموحة إلى برنامج اقتصادي قابل للتنفيذ من خلال مجموعة من المبادرات مرتبطة بآليات تنفيذ، وسيتطلب الأمر من الجانب السعودي النظر في بيئة الاستثمار القائمة بقصد تحسينها، بما يساهم في رفع القدرة التنافسية، والعمل حثيثاً على الارتقاء بمؤشرات ممارسة الأعمال في المملكة، بعد أن تراجع المؤشر الرئيس لسهولة ممارسة الأعمال للمرتبة 49 بعد أن وصلت في العام 2010 للمرتبة العاشرة. وعند التمعن في المبادرة السعودية نجد انها تقوم على تنويع الاقتصاد، إذ تركز على الأنشطة غير النفطية، فقد ارتكزت شراكة القرن العشرين حولها. ويبدو أن المستهدف في الأساس هو استقطاب شركات عالمية عملاقة في قطاعات محددة، بحيث يقدم لها تسهيلات لتدخل باستثمارات مؤثرة فتُحدث تغييراً نوعياً في القطاعات المستهدفة، لا سيما أن تدفقات الاستثمارات الخاصة في الربع الأول للعام الحالي 2015 شهدت تراجعاً؛ فقد سجلت خلال ذلك الربع 1.848 مليار دولار، وهي الأقل على الاطلاق، مقابل التدفق الأعلى وقدره 39.455 مليار دولار سجلت في الربع الرابع العام 2008. وتجدر الإشارة هنا إلى أن القطاعات المستهدفة ستضع - بصورة أو بأخرى - خارطة طريق للهيئة العامة للاستثمار؛ لاستقطاب الشركات الأمريكية العملاقة للمساهمة في قطاعات حددتها الوثيقة التي قدمها الجانب السعودي، في مجالات منها: التقديم والترفيه والتمويل السكني والبنوك. وسيحقق النجاح في استقطاب استثمارات وخبرات لشركات متمرسة في هذه المجالات.. سيحقق جملة مكاسب.. أولا: استقطاب استثمارات منتجة تضيف قيمة للاقتصاد الوطني بما يساعد على نموه ويمنع تباطؤه وانكماشه في حال استمر تراجع أسعار النفط، وثانياً: يؤدي لاستقرار الطلب إذ سيعوض -ولو جزئياً - التراجع المتوقع في الانفاق الحكومي، وثالثاً: يخلق فرص عمل قيمة للمواطنين، ورابعاً: يولد فرص استثمار للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ويحفز الاستثمارات الريادية للشباب. كل هذا يبُرر أن ننظر كيف نهيئ مناخ الاستثمار للتعامل إيجابياً مع قدوم تدفقات رئيسية، كأن نطلق مشروعاً تساهم في إنجازه الجهات المعنية يسمى مشروع القرن الواحد والعشرين يسعى لتحقيق نقلة لاقتصادنا السعودي عبر توظيف منظومة شراكات اقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية وسواها من الدول الصديقة الراغبة والقادرة.