حرّكت موجة هجرة السوريين إلى دول أوروبا، التي تفاقمت بشكل كبير في الأسابيع الماضية، ملف «المنطقة الآمنة» التي تدفع المعارضة السورية مدعومة بتركيا ودول أخرى باتجاه قيامها في الشمال السوري، في ظل تحفّظ أميركي معلن وملموس يمنع حتى الساعة اتخاذ خطوات عملية وتنفيذية لخطة توافق عليها الأتراك مع «الائتلاف الوطني السوري» والحكومة المؤقتة. وبعدما كان الحديث عن هذه المنطقة تضاعف في الفترة الماضية، بالتحديد مع إعلان «جبهة النصرة» انسحابها منها، بما قرأه مراقبون على أنّه خضوع لشروط أميركية للموافقة على إنشاء هذه المنطقة، تحاول المعارضة السورية اليوم استخدام ورقة الهجرة المتفاقمة إلى دول أوروبا للضغط في هذا الاتجاه، وإقناع المجتمع الدولي بأهمية تأمين ملاذ آمن لمئات آلاف السوريين داخل بلادهم كي لا يضطروا للتشرد في أصقاع العالم، وكي لا تتحمل الدول الغربية تداعيات إضافية للأزمة السورية المستمرة منذ عام 2011. نائب رئيس «الائتلاف» المعارض هشام مروة قال لـ«الشرق الأوسط»، إن المعارضة السورية عادت للضغط باتجاه «إنشاء المنطقة الآمنة في الشمال السوري، حيث سيُفرض حظر جوي يقي السوريين البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والفتاكة، ويعيد مئات آلاف اللاجئين إلى بلادهم»، لافتًا إلى أنّه بذلك «يتم حصر كل المساعدات التي تقدمها الدول العربية والغربية بهذه المنطقة والتصدي لهجرة الكفاءات والعقول والتي تشكل نزيفًا حقيقيًا تفاقم في الأسابيع الماضية». وتابع مروة أن الائتلاف تواصل مع الجهات المعنية ومع الجاليات السورية في أوروبا «لاستقبال اللاجئين الذين يتوافدون إليها وضمان أن تكون هذه الهجرة مؤقتة، فلا تساهم بتطبيق مخطط النظام السوري بتهجير أبناء سوريا بهدف إحداث تغيير ديموغرافي بدأ يتجلى بوضوح في أكثر من منطقة استقدم إليها النظام مقاتلين أجانب وعائلاتهم، وقد يكون منحهم الجنسية السورية». ويرى مراقبون أن انفجار أزمة اللجوء السوري في أوروبا في هذا التوقيت بالذات يتلاقى مع سياسة النظام المتبعة والتي تكثفت أخيرًا لجهة سعيه إلى تغيير ديموغرافي طرحه المفاوضون الإيرانيون من دون تردد في المفاوضات لوقف القتال في الزبداني والفوعة وكفريا. وفي هذا الإطار، نبّهت الدكتورة منى فياض، الأكاديمية المتخصصة في علم النفس بالجامعة اللبنانية في بيروت من «تلاقي السياسة الغربية المتبعة حاليًا مع مشروع النظام السوري التهديمي لسوريا والهادف لتهجير سكانها وإحداث تغيير ديموغرافي فيها»، ورأت أن «رضوخ دول أوروبا واستقبالها أعدادًا من اللاجئين، حتى ولو كانت أعدادًا صغيرة لا تقارن مع الأعداد التي تستضيفها دول الجوار، يعني القول للأسد هذه سوريا افعل بها ما تريد». ووصفت فياض في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ما هو حاصل في هذا السياق بـ«المهزلة»، محذرة من تكرار «السيناريو الفلسطيني في سوريا من خلال استقدام مقاتلين من أقاصي الأرض لتوطينهم وعائلاتهم في سوريا». وردت فياض شيوع الهجرة إلى أوروبا في الأيام الماضية على الرغم من أن الأزمة في سوريا مستمرة منذ عام 2011، إلى الوقت الذي استلزمه تنظيم شبكات تهريب البشر وتأمين الأقنية اللازمة لإيصالهم إلى دول أوروبا. وأضافت: «معظم الذين يهاجرون اليوم إلى أوروبا هم من الطبقة المتوسطة الذين ستستفيد منهم الدول التي تؤويهم باعتبار أن الفقراء لا يملكون المبالغ اللازمة للوصول إلى الدول الغربية والعيش هناك، ولذلك نرى الملايين منهم يعيشون في الدول المجاورة لسوريا». وبالفعل، دغدغ حلم الهجرة إلى أوروبا مئات آلاف السوريين الذين يعيشون في لبنان حاليًا بعدما وصل إليهم خبر مفاده أن ألمانيا قررت استضافة الآلاف منهم. وتوافد هؤلاء إلى السفارة الألمانية في بيروت لتسجيل أسمائهم وتعبئة الاستمارات اللازمة على الرغم من إصدار مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت نفي رسمي عن تخصيص أماكن للسوريين في أوروبا. وأسفت المفوضية في بيان أصدرته من كون «المعلومات الخاطئة التي يتم الترويج لها عن إمكانية انتقالهم إلى أوروبا، تؤدي إلى ظلم اللاجئين إذ تعطيهم آمالاً واهية لا يمكن تلبيتها»، مؤكدة أن «ما من تغييرات قد طرأت على إجراءات إعادة التوطين الحالية، باعتبار أن الأماكن المتاحة لإعادة التوطين لا تزال محدودة ضمن البرنامج الذي تديره المفوضية مع بلدان إعادة التوطين». هذا، وقدمت المفوضية طلبات لإعادة توطين أكثر من 6400 لاجئ سوري من لبنان في بلدان ثالثة خلال هذا العام، وسبق أن غادر نحو 2200 منهم. وبلغت تعهدات بلدان إعادة التوطين الخاصة بلبنان 8800 لاجئ سوري خلال عام 2015 وحتى هذا التاريخ، على الرغم من كل الضغوط التي تمارسها المفوضية والجهات اللبنانية الرسمية لإتاحة المزيد من أماكن إعادة التوطين للاجئين في لبنان وباقي دول المنطقة. من جهة أخرى، طالب وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الدول العربية بـ«المشاركة في تحمل عبء دعم واستضافة اللاجئين السوريين» مشيرًا إلى الضغوط التي تشكلها الأزمة المتفاقمة على دول الجوار السوري. ونبّه باسيل، هو رئيس «التيار الوطني الحر» (التيار العوني) في حديث لوكالة «رويترز» من احتمال حدوث «احتكاكات جديدة في المستقبل القريب» بين اللبنانيين والسوريين نظرًا لاحتمال «تقاتلهم على الموارد الشحيحة». وبينما يبدو محمد (33 سنة) اللاجئ السوري في منطقة عرسال الحدودية الواقعة شرق لبنان متحمسًا للأخبار الحالي تداولها عن إمكانية انتقالهم إلى إحدى الدول الأوروبية، يؤكد سمير (44 سنة) الذي يعمل في مجال البناء في بيروت أنّه لا يفكر أبدًا بالهجرة إلى ألمانيا أو غيرها من الدول الغربية بعدما تأقلم على نمط معين من العيش في لبنان. ويقول محمد لـ«الشرق الأوسط»: «بما إن الأزمة في بلادنا طويلة ومفتوحة على أكثر من سيناريو، وباعتبار أن منازلنا تهدمت ولا قدرة مادية لنا على إعادة بنائها، قد يكون من الأنسب أن نبدأ حياة جديدة في أوروبا، حيث يمكن أن أؤمن تعليم ابنتي وأطمئن إلى مستقبلهما». أما سمير فيفضل البقاء على مقربة من سوريا، وهو يؤكد أنّه سيكون أول العائدين إلى بلاده للمساهمة بإعادة إعمارها بعد انتهاء الحرب.