الحروب ليست رحلةً سياحيةً، وليست نشاطًا ترفيهيًا، الحروب تعني الدماء والقتلى لا من جنود العدو وعناصره فحسب بل من فلذات الأكباد والجنود الأشاوس والأبطال حماة الديار والذائدين عن حياض الأوطان. وأسباب الحروب وغايتها تختلف باختلاف الزمان والمكان والمعطيات، وغاية «عاصفة الحزم» هي حماية بلدان الخليج من العدو الكاشح في إيران وذيوله في المنطقة. الحروب ليست محببة لأي صانع قرارٍ وأي قائدٍ ولكنها آخر الحلول، وهي كالكي الذي هو آخر العلاج بعدما لا تحقق الجهود السياسية والخطط الاستراتيجية والتوازنات الدولية مبتغى الدول وغاياتها في الاستقرار والاستمرار والتنمية، وحين يكون الخصم فاجرًا في خصومته ولا حلول لديه لمشكلاته إلا الاعتداء على دولنا وشعوبنا ونشر الخراب والدمار فيها. لم ولن ترضى دول الخليج العربي أن تؤكل كما أُكل الثور الأبيض بل أثبتت أنها ستحمي استقرارها وتنميتها بكل ما تملك من قوةٍ عسكريةٍ واقتصاديةٍ وسياسيةٍ، وهي أطلقت أسودها في الجو والبحر والبر وأظهرت أنيابها وفعّلت مخالبها لتقضي على نمور من ورقٍ تلك التي تعتمد عليها إيران وحلفاؤها الدوليون والإقليميون والمحليون. وعاصفة الحزم هي الرد الأقوى على كل مغامرات الخصوم غير المحسوبة. عظيمٌ هو ألم الفقد، فقد فلذات الأكباد، وكبيرةٌ هي الخسائر في الأرواح، وهو ما جرى لدول التحالف العربي في حربها القوية في «عاصفة الحزم» في اليمن الأسبوع الماضي حيث قدمت البحرين 5 شهداءٍ وقدمت السعودية 10 شهداء وكان لدولة الإمارات العربية المتحدة قصب السبق بـ45 شهيدًا يلحقون بركب من سبقهم في ميادين العز والمجد وصناعة التاريخ. لا يعوّض خسائر الحروب شيءٌ مثل النصر المظفر، وهو ما لم تخطط قيادة «التحالف العربي» لغيره هدفًا وغايةً في اليمن، فحماية الأوطان هي أسمى الغايات، وهي من جعلت أي مواطنٍ يحلم بأن يكون طيارًا في بداية عاصفة الحزم، وضابطًا أو جنديًا عند بدء التدخل العسكري البري، سواء في عدن التي بدأتها قوات إماراتية صلبةٌ تدعم المقاومة الشعبية وتدعم الشرعية السياسية وتشكل الجيش اليمني الجديد في عدن، أو التطورات اللاحقة حين دخلت قوّات التحالف في شمال اليمن وفي محافظة مأرب تحديدًا في التمهيد لمعركة صنعاء المرتقبة. تساءل الكثيرون منذ بدء عاصفة الحزم، هل التدخل البرّي يشكل مخاطر حقيقيةً وفعليةً؟ وتمّ تضخيم الخسائر من قبل الدعاية المعادية وأتباعها داخليًا وإقليميًا ودوليًا، ولكن الجواب سهلٌ حين يكون واقعيًا وعمليًا، فالجواب بنعم هو جوابٌ واقعي بمعنى أنه لا توجد حربٌ بلا خسائر مؤلمةٍ في الأرواح التي تعبت الدول في تأهيلها وتدريبها ورعايتها، وهي أرواحٌ غاليةٌ لدى دولها وأوطانها وليست رخيصةً تلقى كميليشيات أو جماعاتٍ إرهابية وقودًا في كل صراعٍ لتلتهمها نار الحروب كما يصنع الخصوم. ولكن الجواب بلا، هو جوابٌ أكثر واقعيةً وأبلغ تأثيرًا، وذلك أن النجاحات السياسية وفرض هيبة الدول وتعزيز مكانتها كفاعلٍ دولي وإقليمي وحماية مصالحها العليا ومستقبلها ومستقبل شعوبها وأجيالها القادمة هي مهمةٌ جلّى وغايةٌ عظمى تستحق كل التضحيات التي تبذل في سبيلها مهما عظم الخطب وتزايد الأسى. لقد راهنت دولة الإمارات العربية المتحدة رهانًا استراتيجيًا حين تحالفت مع المملكة العربية السعودية في ملفاتٍ شديدة الأهمية في المنطقة إنْ تجاه الربيع الراديكالي الذي كان يعرف بالربيع العربي في المنطقة، وإنْ تجاه إنقاذ الدول العربية التي تعرضت لتهديداتٍ حقيقيةٍ كالبحرين ومصر من فك الفوضى والتخريب والدمار والتطرف، وقد نجح الرهان، وها هو هذا التحالف وعلى رأسه السعودية والإمارات يقود النصر في اليمن ويعمل جهده في بقية ملفات المنطقة العالقة والتي تحتاج لعملٍ دؤوبٍ ومتواصلٍ في كل ملفٍ منها. في هذا السياق، يسعف التاريخ بقدر ما يحدث الواقع، وينبئ المستقبل بقدر معطيات الحاضر، ومن قديم الأخبار أن إيران دولةٌ محتلةٌ لجزرٍ إماراتيةٍ، وأنها عبر خلايا التجسس والإرهاب تسعى حثيثًا لضرب استقرار دول الخليج العربي، ويأتي على رأس ذلك الخلية الضخمة التي زرعتها في الكويت، والتي بدا من حجمها وامتدادها أنها لم تكن تنوي زعزعة الأمن في الكويت فحسب بل كانت تخطط لخلق فوضى عارمةٍ تضرب استقرار الدولة هناك، وكذلك، تصريحات وزير خارجية البحرين في استمرار إيران في استهداف البحرين كدولةٍ عبر الإرهاب والطائفية بهدف إسقاط الدولة ونشر الفوضى، وقال وزير خارجية البحرين في لقاء مع هذه الصحيفة: «هل تعرفون حجم الكميات المهربة من هذه المادة (المتفجرة) إلى البحرين؟ هي كانت كافية لإزالة مدينة المنامة من الوجود». وأضاف «هذا لم نكتشفه نحن بأنفسنا فقط، بل مع حلفائنا في منطقة الخليج بما فيها البحرية الأميركية». لقد كان مصاب الإمارات هو الأكبر فيما جرى الأسبوع الماضي ومن هنا تناقلت وسائل الإعلام زيارات ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد لتقديم العزاء لذوي الشهداء ولزيارة جرحى المعركة في المستشفيات، ودارت أحاديثُ تاريخيةٌ أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك قوة اللحمة الداخلية و«البيت المتوحد» بين القيادة والشعب، وكيف أن الآباء والأمهات كانوا يضجون فخرًا وإباءً ويمتلئون عزةً وشرفًا بتقديم أبنائهم شهداء في سبيل الله والوطن والقيادة، فكان العزاء فخارًا لا حزنًا وإباءً لا أسى. وقد كان الجرحى والمصابون في المستشفيات يبادلون قائدهم حبًا بحبٍ وولاءً بولاء، وهم على الأسرة البيضاء يتلقون العناية الطبية اللازمة ولكنّهم يتفتقون عزيمةً وشكيمةً ولا يطلبون سوى العودة للصفوف الأمامية في القتال لإنجاز المهمة وأداء الواجب، وقائدهم يقبل الجباه والأيدي ويلهج لهم بالدعاء، ويعدهم بالنصر والتمكين، ويلوم أيدي الغدر التي طالتهم. «الله يحفظ اليمن وأهل اليمن ويحقق لنا النصر قريبًا» كانت هذه كلمات محمد بن زايد للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أثناء تقديمه للعزاء في الشهداء الأبطال، والنصر كما تقدم أعلاه هو الغاية وهو البلسم الشافي لكل الجراح، وأضاف: «نحن ماشيين معكم إلى آخر الطريق فخامة الرئيس». أخيرًا، فلقد اختلطت على أرض اليمن دماء الجنود الأبطال والكماة الأشاوس من السعودية والإمارات ومن البحرين والمغرب، ومن بقية دول التحالف العربي التي تقود اليوم مستقبل الدول العربية وشعوبها، ولا حلف أقوى من الحلف المكلل بالدم الزكي والمجلل بالأرواح السامية.