×
محافظة المنطقة الشرقية

الرُمان... ثمرة الطاقة

صورة الخبر

يخالجك شعور لا تستطيع البوح به، وتقرأ في العيون ما لا يمكنك فهم غموضه، تخاف أن تفتح جراحاً يحاولان طيّها مع مرور الوقت، لكن في الحقيقة ما تلمسه هو ما يعيشانه كل يوم، وهو ما سيؤدي إلى نهاية الطريق بينهما. أحبا بعضهما بشغف، وترسخ حبهما، حتى أخذا القرار بأن يؤويهما البيت الواحد، إلاّ أن ما حكم ذلك القرار قام على أسس، ثبت أنها غير صالحة للبناء: الطباع، تطلعات المستقبل، الوضع الاقتصادي، التعايش، البيئة. إسراء امرأة أحبت وتزوجت، ولم تأبه لإكمال دراستها، ولإثبات نفسها في مجال العمل، رغبة منها ببناء أسرة، وعند دخولها القفص الذهبي، بدأت تتماوج لديها الصورة: هي تلازم المنزل، ومهماتها الاهتمام بتدبير الأمور العائلية ليس أكثر، وزوجها خارجاً يعمل ويتقدّم ولديه حياته العملية. أدركت إسراء ما كانت تجهله، أوأنها تجاوزته بسبب شغفها بالزوج، ورغبة في بناء الأسرة، وهي أنها لابُدّ أن تكمل الدراسة، لتكون صاحبة أهلية لسوق العمل، وبدأت تنقل هذه الصورة لزوجها، الذي بالطبع رفضها، لأنه لم يدعمها سابقاً في تحسين نمط حياتها، وهي لم تطلب ذلك من قبل، وسارت الأمور على هذا النحو، حتى ساء الوضع وبلغ حد الانفجار. وضع إسراء، ليس حالة يتيمة، بل إنها حالة تكاد تختصر معاناة المرأة العربية، لجهة عدم تقبل الرجل، في كثير من الأحيان، لعمل المرأة وانخراطها في المجتمع، وغالبا ما يقبع خلف عدم التقبل التفكير الشرقي والذكوري في مجتمعنا، وهو التفكير الذي يتسم بالاستهانة بالمرأة، وعدم تقبل الرجل دخولها عالم الإنتاج والعمل. ما يزيد في تلك المعاناة، أن المرأة عامة وصلت إلى أدوار قيادية في مجالات سوق العمل المختلفة، وهي شرعت تتعلم وتهرع إلى إثبات نفسها، لتبدأ بوضع مهاراتها وإنتاجها في خدمة تحسين مستوى الدخل للأسرة، وحتى تستطيع أن توفر احتياجاتها واحتياجات عائلاتها، لابُدّ أن نلحظ أن المرأة العربية، بدأت منذ وقت تطور أفكارها، سلوكياتها ومعتقداتها، وأصبحت ترى أنها إنسان مثلها مثل الرجل، لديها قدرات ومواهب، يمكن لها أن تسخرها في المجتمع معرفة وعلماً وثقافة، وبالتالي عملاً، ولكن وللأسف ما زال مترسخاً عند طبقات وفئات عديدة في المجتمع تلك العادات والتقاليد، التي تفهم عنصر قوامة الرجل على المرأة، بأنه ممنوع عليها العمل، علماً بأن الأديان تحفظ حق المرأة وتعطيها مكانتها، لناحية دورها وحفظ حقوقها والتعامل معها بلطف ومودة وإنصافها، فهي ليست المرأة التي تنجب فقط. ماذا يقول الشرع؟ وأين يجد الحل لمآل ذلك الارتباط؟ القاضي في المحكمة الإسلامية في بيروت الشيخ زكريا غندور، أكد أن المرأة نصف المجتمع، الذي لا يقوم إلا بالتعاون بين المرأة والرجل، وحاجة الاثنين لبعضهما بعضا طبيعية وفطرية، "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة"، وإذ يلفت فضيلته إلى دور الرجل الريادي في الكفاح والجد، ودور المرأة في الرعاية والمسؤولية والتنشئة، فإنه يعتبر أن على كليهما إحسان الاختيار حتى يلتئما، لأنه من هذا المنطلق، يتم توكيد مدى الانسجام، الذي يجب أن تتركز عليه علاقة الشريكين، حتى يتم التوافق بكل جوانبه. ويعتبر غندور أن الأمر هنا يتعلق بمدى حاجة العائلة المعاصرة لعمل المرأة، وبالتالي فإن السؤال هو كيف لمجتمعات تأصلت فيها المفاهيم والتقاليد أن تتقبل هذا التحول؟ علماً بأن هناك من يدخل عالم الارتباط بحب يتوّج بالزواج وتأسيس عائلة وكفى، ونمط آخر من التفكير ينبع من توازن العقل والعاطفة معاً، وبما لا يجعل المشاعر والتقاليد تسيطر عليه، إنما يذهب إلى كيفية بناء المؤسسة الزوجية، وتوفير احتياجاتها المادية والمعنوية على السواء، آخذاً في الاعتبار، الدور الأساسي والمؤثر للاكتفاء المادي في صون هذه المؤسسة وحمايتها من الانهيار. ويوضح غندور أن الأمر أخيراً يتوقف على الرجل والمرأة معاً، إذ قد يتقبل بعض الرجال مساعدة زوجاتهم في تحمل بعض الأعباء المادية، ما يعني إفساح المجال للمرأة لتكون عنصراً فاعلاً عائلياً واجتماعياً، من دون أي شعور بانتقاص في رجولته، في حين يتخوف آخرون من أن تصبح المرأة أعلى شأناً، ويشعر بالدونية لانتقاص في شخصيته وثقته بنفسه. ويخلص الشيخ غندور إلى القول: إن المرأة والرجل شمعة واحدة، تحترق لتضيء لأبنائهما، وأن الأسرة، إذا سلمت، سلم المجتمع، وإن ضاعت، يستحيل أن تعيش بسلام واستقرار وهدوء، وبالتالي فإنه لا مانع من عمل المرأة ومساعدتها لزوجها، مع العلم أنها ليست من واجباتها، وأن من حقها التصرف بكامل دخلها شرط، ألا يشعر الرجل بالمهانة، وفي المحصلة فلابُدّ أن يكون شعار الأسرة وتعاونوا على البر والتقوى، فالزواج مؤسسة يجب أن تتسم بالنجاح والسعادة، ثمرتها أبناء تجمعهم المحبة والمودة والرحمة والتفهم من طرفين مسؤولين عنهم. التزامات د. ضحى الأشقر الاختصاصية في علم الاجتماع والمحاضرة في جامعة بيروت العربية، عالجت الموضوع انطلاقاً من حيثياته الآنية، وأكدت أن عمل المرأة يصبح ضرورة، حتى يتم تأمين الالتزامات المطلوبة، وبذلك تصبح قناعة الزوج، ضرورة أن تشاركه المهمة، فيضاعف حبه واحترامه لها، لما تقدمه من تضحيات في داخل البيت وخارجه، فيوفّر لها الدعم الفعلي والمعنوي، بما يمكنها من تحمّل الأعباء المادية ورعاية وتربية الأولاد معاً، وتضيف الأشقر: في المقابل، هناك مِن النساء من يقررن ملازمة بيوتهن بغياب أولادهن في المدرسة، ويعتبرن أن دورهن كأمهات، هو الأبرز، أي الإشراف على تنشئة وتربية أبنائهن، وهناك أيضاً من النساء ممن يشعرن بالملل والإحباط، من دون أي تقدم أو تطور، بينما أزواجهن يتطورون، ويعيشون حياتهم في الخارج، ويصممون لتحقيق الأحسن لهم ولعيالهم، وهكذا نرى أن الواقع الاجتماعي يزخر بالمتناقضات وكل له منطقه. وبين رضوخ المرأة للتقاليد وأوامر الزوج، وبين تلك الرافضة لواقعها، تبقى الصورة مشوشة، إذ تشير د. ضحى إلى ضرورة أن تحافظ المرأة على احترامها الكامل لزوجها، فتقنعه بفكرتها بأسلوب راقٍ، بحيث لا تشعره بالدونية أو بالقصور، وبأنها باقية تحت جناحيه مهما حققت من نجاحات عملية، فتبقى داخل عائلتها، إذ مهما كبرت خارجاً، فينبغي أن تأتي إلى منزلها امرأة متواضعة. وفي حين لم تقلّل د. ضحى من شأن المصاعب في هذا السياق، أشارت إلى دراسات أكدت أن الرجل يحب أن يشعر بأنه ملجأ المرأة ورب الأسرة، خصوصاً في المجتمعات العربية، وهو الأمر الذي يُصعِّب العلاقة بين المرأة والرجل على هذا الصعيد.