×
محافظة المنطقة الشرقية

ندوة حول «وسائل التواصل الإداري» بالشارقة

صورة الخبر

أصبح الطلاق مشكلة اجتماعية أخذت في الانتشار، وقد زادت نسبة الطلاق خلال العام الماضي 1435ه عن العام الذي قبله 1434ه بواقع (8371) حالة طلاق، إذ بلغت حالات الطلاق –حسب الإحصائيات في عام 1435ه (33954) حالة طلاق، بينما لم تزد نسبة الزواج عن الماضي، إلاّ بنسبة طفيفة، إذ بلغ مجموع حالات الزواج (11817) حالة؛ مما يعني أننا أمام مشكلة اجتماعية من أصعب المشاكل وأكثرها تأثيراً في أي مجتمع لما يتركه من آثار واضحة وأضرار معنوية ومادية طويلة المدى على الأطراف المعنيين بشكل مباشر، ويُمثل واحدة من أشد درجات الضغط النفسي على الإنسان عموماً وعلى الأطفال بوجه خاص. وقد أجمع الخبراء على أنّ الأطفال هم الأكثر تضرراً من انهيار العلاقة الزوجية، حيث يُؤثر في بناء شخصياتهم حيث يكون لديهم مشاعر من الإحباط والفشل يرافقها إحساس بالظلم لافتقادهم الشعور بالطمأنينة، والاستقرار، والراحة، والأمان، ولانعدام الحب، واختفاء التراحم، حيث تندلع المشاجرات وتستعر المنازعات ويسود حب الذات وينعدم الاحترام، وغالباً ما يعتقد الأطفال بأنّهم سبب الصراع بين الوالدين، والكثير من الأطفال يحملون أنفسهم مسؤولية الطلاق ومسؤولية إرجاع الوالدين إلى بعضهما، مع أنّه ليس لأي من الأطفال ذنب في أنهم ولدوا بين أبوين غير متفاهمين، فهؤلاء لهم حق في أن ينشؤوا نشأة سوية سليمة تجنبهم الإحساس بالشعور بالنقص، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من تضافر الجهود لوضع حد لهذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة، التي باتت تمزق البناء الاجتماعي، وأصبحت تحتاج إلى مزيد من الدراسات البحثية لدراستها لكي يتسنى وضع العلاج اللازم لها. مسؤولية كبيرة وذكر فيصل عسيري –مستشار تعليمي أنّ الأب هو المسؤول الأول عن حماية أبنائه ورعايتهم وليست الأم، لأنّ الأم في العلاقة الأسرية تقوم بدور مكمل في التربية بينما يقع العبء الأكبر على عاتق الأب، مهما حاول أن يتنصل من مسؤولياته، فالأبوة مسؤولية قبل أن تكون مهمة، وهي مسؤولية كبيرة أن يكون الإنسان أباً يُمارس صلاحيات ومهام الأبوة ويأتي بعد ذلك المهام التي على أساسها يكتسب المهارات اللازمة ليقوم بدوره بشكل مقبول، وحين حدوث الطلاق بين الوالدين وهو أمر طبيعي قد يحدث كأي حدث اجتماعي آخر، وهنا لا بد أن يتحمل كل طرف مسؤولياته كاملة دون إلقائها على الطرف الآخر. وأضاف أن حماية الأبناء من آثار الطلاق تبدأ بحضانة الأب لأبنائه جميعاً، ليكونوا تحت نظره وليقوم بمتابعتهم سلوكياً وعلمياً وروحياً، معتبراً أنّ للموروث الاجتماعي تأثيراً في هذا الجانب جعل من الطلاق حالة يائسة تعم الأسرة جميعها، بينما الحقيقة مختلفة تماماً بعض الشيء، إذ إنّ الانفصال ليس شراً بشكل دائم كما يتم تصويره، وإنما هو انتقال من حالة اجتماعية إلى أخرى، وقد تكون الحالة الجديدة أفضل من سابقتها، لافتاً إلى أنّ التهويل في وسائل الإعلام بشأن الطلاق ليس مبرراً أبداً، خصوصاً إن حصل اتفاق على الحضانة منضبط في جهات شرعية تكفل إبعاد الأبناء عن أي خلاف، وتسلم أحد الوالدين رعاية الأبناء وتحمله للمسؤولية كاملة. وأشار إلى أنّ تجنيب الأبناء تبعات طلاق الوالدين تقع مسؤوليتها على الأب في المقام الأول، وتعاون الأم في هذا الجانب –إن وجد– فهو حافز جيد للقيام بمهماته على أكمل وجه في تربية الأبناء، لافتاً إلى أنّ تهديد الأم بطلبها الطلاق أو تلويح الأب بذلك لا يخدم مستقبل الأسرة، مستدركاً: "لا أزعم بأن الأب كائن خارق سيتمكن وحده من القيام بكافة الدوار على نحو صحيح ولكن سيبذل الجهد تحت تأثير الإحساس بمسؤوليته الدينية والاجتماعية ليتمكن من النجاح"، مؤكّداً على أنّ الطلاق ليس سلاحاً يتم توجيهه للحصول على مزيد من الحقوق، وإنما هو إنهاء لعلاقة تخللها لحظات سعادة وبؤس، ويجب أن تنتهي بسلام، وأن يكون الأبناء في مأمن من التقلبات النفسية للآباء، سواء بطلاق أو بدونه! تبعات كبيرة وأوضح ثامر الصالح –مستشار أسري– أنّ هناك سبب قوي جداً من وجهة نظر الأزواج عندما يتخذون قرار الطلاق، منوهاً بأنّ الطلاق له تبعات كبيرة على الأسرة، سواء من الناحية الأسرية والنفسية والاجتماعية والعاطفية والاقتصادية، وكثيراً ما يكون الأطفال أكثر المتضررين، حيث يؤدي إلى تغيير الروتين والعادات التي اعتادوا عليها، كما أنه يجبر الأطفال على التنقل بين منزلين، فلا يشعرون بالاستقرار والأمان، وكل هذه التغييرات تجعل من الصعب على الأطفال التكيف وقبول الوضع الجديد. وقال إنّ الباحثين قد تناقشوا في أي مرحلة يواجه الطفل الصعوبة الأكبر في التكيف مع طلاق الوالدين، إذ وجدت بعض الدراسات أن الأطفال الأصغر سناً يعانون أقل ويتعاملون أفضل ويهابون الطلاق أقل من الأطفال الأكبر سناً، ولكن بعض الدراسات الأخرى وجدت أن الأطفال الأصغر سناً يتكيفون بصعوبة أكبر من الأطفال الأكبر في وقت حدوث الطلاق، وأشارت نتائج دراسات أخرى أن حالات الطلاق التي تحدث قبل بلوغ الطفل تؤثر وتعتبر خطراً كبيراً على التطور العاطفي والاجتماعي للأطفال، مقارنة بغيرهم من الأطفال الأكبر سناً. وأضاف أنّه ووفقاً للكلية الملكية للأطباء النفسيين في بريطانيا، فإن أبرز تأثيرات الطلاق على الأطفال تمثلت في الإحساس بالفقد، حيث إنّ انفصال الوالدين لا يعني فقدان المنزل الذي كان يجمعهم معاً، بل فقدان الحياة بأكملها، وكذلك الشعور بالغربة، وعدم الانسجام مع الأسرة الجديدة إذا تزوج أحد الوالدين، وأيضاً الشعور بالخوف من أن يترك وحيداً، فإذا ذهب أحد الوالدين فربما يذهب الآخر أيضاً، وكذلك الشعور بالغضب من أحد الأبوين أو كليهما بسبب الانفصال، وأيضاً الإحساس بالذنب والمسؤولية في انفصال والديه، بالإضافة إلى الشعور بعدم الأمان والغضب والرفض. وأشار إلى أنّ المشكلات التي قد يواجهها الطفل نتيجة للطلاق تتضمن مشكلات سلوكية ونفسية واجتماعية وأكاديمية تؤثر على سمات الشخصية للطفل، بالإضافة إلى أن هؤلاء الأطفال عادة ما يعانون من مشكلات سلوكية في المدرسة، وضعف في التحصيل الدراسي وسوء العلاقات الاجتماعية والخوف من المدرسة. ردود الأفعال وأكّد الصالح على تأثر الطفل بالطلاق، ولكن ردة فعله وقوته تعتمدان على عمره ومدى استيعابه والظروف التي صاحبت الانفصال، ففي عمر (2–5) سنوات عادة ما يظهر الطفل سلوك نكوصية أو العودة إلى مرحلة نمو سابقة، كالتبول اللاإرادي أثناء الليل، أو المعاناة من الكوابيس وقلق النوم، وقد يشعر الطفل بالتشتت أو يكون سريع الانفعال، وفي عمر (6–9) سنوات يكون الطفل أكثر عرضة للتأثير من انفصال الوالدين، لأنّه ما زال يعتمد على والديه وقد لا يجد من السهل التعبير عن مشاعره، لذلك من المحتمل أن يعبر الطفل عن أحاسيسه بالغضب والعناد، أو بالتأثير في أداء دروسه المدرسية أو عدم التركيز، بينما في عمر (9–13) سنة قد يكون للطفل أصدقاء أو قد يكون أكثر استقلالاً عن والديه، إلاّ أنّه ما يزال بحاجة إلى التعبير عن مشاعره، وإلا فإنه سيعاني من الاكتئاب وضعف الأداء في دراسته، كما أنّها فترة حرجة بالنسبة له؛ لأنّه مقبل على فترة المراهقة مما يجعله أكثر عرضة للإيذاء، لافتاً إلى أنّ ردة فعل المراهقين تكون قوية عادة من خلال السعي إلى التصرف بطريقة خاطئة لجذب الاهتمام أو الإعراب عن غضبهم عن طريق تصرفات وسلوكيات غير مرغوب فيها. آثار سلبية ونوّه د. عبدالرحمن آل عوضة –مدرب ومستشار تربوي وأسري – بأنّ الطلاق يُعدّ من أسباب التفكك الأسري، حيث إنّه يهدد التطور العاطفي والاجتماعي للأطفال قبل البلوغ، ويكون سبباً في تأخر الكلام والشعور بالوحدة، وكذلك يؤدي إلى ارتباك في الهوية والشعور بالذنب واللوم وتراجع النمو وقلق وزيادة العدوانية وانخفاض الذكاء الاجتماعي وانخفاض القدرة العقلية والتحصيل الدراسي، وأيضاً يؤدي إلى الحزن العميق وزيادة العنف والخوف، كما يؤدي إلى الغضب الشديد والكآبة والعزلة، وزيادة التصرفات الخطيرة والسلوكيات المزعجة، كما يؤدي إلى زيادة التوتر والصراخ والبكاء، بالإضافة إلى أنه يؤدي إلى زيادة في التقلب المزاجي وزيادة في الاحتياجات وزيادة التعلق بالبالغين لتعويض النقص العاطفي، وقد يظهر على المراهقين مشاعر الاكتئاب والأفكار الانتحارية والانعزال، وفقد الطموح وتناول المخدرات والخمور والعلاقات الجنسية والسلوكيات العنيفة. وأضاف أنّه قد سجلت أعلى نسبة في التسرب من المدرسة وكثرة الغياب عن المدرسة وقلة التحصيل الدراسي عند الأبناء الذين تم انفصال والديهم، منوهاً بأنّ الطلاق يؤدي إلى زيادة إمكانية الطلاق عند الأبناء الذين تم انفصال والديهم، وقد ينصرف الأبناء عن الرغبة في الزواج لوجود تجربة سلبية مؤلمة، كما يؤدي إلى انخفاض نسبة الأمن النفسي وضعف الانتماء للأسرة، وقد يصبح الأبناء أكثر عرضة للأمراض النفسية وكذلك العضوية الناتجة عن الأمراض النفسية، وقد يؤدي إلى الانطواء والاكتئاب، كما قد يؤدي إلى الانحراف الأخلاقي. من يتحمّل المسؤولية؟ أكد فيصل عسيري –مستشار تعليمي– أنّ أي علاقة بين الزوجين لا تنتهي دون آثار باقية من غضب أو إحساس دفين بهدر للكرامة من قبل الطرف الآخر، وهو إحساس طبيعي لا تخلو منه النفس البشرية في الذكر أو الأنثى، لكن على الجميع أو تحميل الآخرين مسؤولية فشل تلك العلاقة عبر بث الحقد والشكوى إلى الأبناء وتشويه سمعة والدهم أو والدتهم، مضيفاً: "أذكر تلك القصة الجميلة التي تُعبر عن الإحساس بالمسؤولية تجاه الأبناء حيث قدم زوجان طاعنان في السن إلى محكمة إحدى الولايات الأميركية طالبين الانفصال بالطلاق وحين سألهم القاضي عن السبب في تأخر ذلك القرار إلى الآن أفادوه بأنهم اتخذوا القرار منذ سنوات طويلة حين كان أبناؤهم ما يزالون أطفالاً ولكنهم أجلوا تنفيذ القرار حتى كبر الأبناء واعتمدوا على أنفسهم". وأشار إلى أنّ في ديننا توصيات كثيرة بأهمية العدل في الأحكام ومنها الأحكام التي قد يطلقها أحد الوالدين على الآخر أمام أبنائهم بعد الانفصال أو وصف الطرف الآخر بأي وصف يقلل من شأنه أمام أبنائه، متمنياً أن يُعيد الآباء والأمهات التفكير في أي قرار يُؤثر على مستقبل أبنائهم فقط لإرضاء الأهل أو الوالدين أو حتى الأقارب، لأن كل أم وأب راع ومسؤول عن رعيته أمام الله ثم أمام الناس وليست الشجاعة في اتخاذ قرار الطلاق أو طلبه ولكنها في التفكير بشكل شامل في ما يخدم الأبناء ويُقدم لهم مستقبلاً أفضل بإذن الله.