قبل أيام ذهبت لمدير أحد أكبر المستشفيات الحكومية في جدة متشفعا لمريض يعاني انسدادا في الشرايين التاجية وأصيب بأزمات قلبية متكررة، وعمل فحوصات تشخيصية في مستشفى خاص بجدة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك حاجته إلى عملية قلب مفتوح.. قابلت هذا المدير الذي كلف قريبا في هذا المنصب وقابلني باحترام وجلس يقص علي معاناته في المستشفى وأن هناك تحزبا ضده من قبل التنفيذيين في المستشفى ومعارضة لتوجهاته، قلت له إن هذا المستشفى بالذات يوجد به قيادات ذات خبرة كبيرة ويحتاج لبعض من الحنكة للتعامل معهم ومحاولة احتوائهم وتفهم مطالبهم. المهم أنني بدأت أشرح له حالة المريض وحاجته إلى عملية عاجلة في القلب فأخبرني أنه أمر بإيقاف العمليات إلا العاجلة منها، لم أناقشه في هذا الأمر ولم يوضح لي السبب مع العلم أن هذا المستشفى بالذات يحتاج بلا ريب كافة أنواع العمليات من استئصال اللوزتين إلى تكميم المعدة التي ربما لا تكون طارئة ولكن تأخرها يؤثر على صحة المريض وجودة الحياة بالنسبة له، قال لي بصوت عال (أبشر) فخرجت لأخي الذي كان ينتظرني بالخارج وأسارير وجهي منفرجة وقلت له سوف تتم عملية المريض قريبا، فقد قال لي المدير أبشر فاطمئن واستبشر، وزيادة في التأكيد لخطورة حالة المريض ذهبت لقيادي مخضرم صديق في المستشفى وأخبرته بالحالة فقام مشكورا بالتواصل مع أحد أطباء القلب وحجز للمريض موعدا وسألني عندما أخبرته أنني قابلت مدير المستشفى ماذا قالي لي، قلت له قال لي (أبشر) فحاول الاتصال به فأخبره مدير مكتبه أنه في اجتماع فوعدنا خيرا وانصرفنا من المستشفى. اتصل أخي مساء بالقيادي في المستشفى الذي يعرفه هو أيضا وأخبره بغرابة أنه يفضل أن يعمل المريض العملية في المستشفى الخاص الذي عمل فيه القسطرة القلبية التشخيصية، فأخبرني ذلك فقلت له أكيد أن المستشفى ربما يوجد به زيادة في معدل العدوى أو لا يوجد به كفاءات تستطيع إجراء مثل هذه العمليات باقتدار، وأن من حرصه على وضع المريض فضل أن لا تجرى له هذه العملية بالمستشفى، قلت له سأقوم بزياة أخرى للمستشفى بالغد وأتأكد من الموضوع بنفسي. بحثت عن القيادي في اليوم التالي وأخبروني أنه في غرفة الاجتماعات مع المدير الذي لا يحضر عادة إلى اجتماعات المستشفى منذ تكليفه ولا يقابل رؤساء الأقسام ومغلق عليه غرفته أغلب الأوقات! وعند استئذاني ودخولي عليهم غرفة الاجتماعات كانت الكارثة والصمت المطبق الذي انتاب المتواجدين، إذ قال المدير موجها كلامه إلى القيادي عندما عرفني له، ليس هو، هذا لم أقابله، وا عيباه أينكرني وأنا الذي قابلته يقينا! المهم أن القيادي همس للمدير في أذنه وتم حل الموضوع وتأمين سرير للمريض لإجراء العملية بعد هذه المعاناة الكبيرة! أوردت هذه القصة العجيبة لأبين حجم المعاناة التي تعانيها شريحة كبيرة من المرضى بحثا عن العلاج وقد تكون الفترة الفاصلة بين حياتهم وموتهم لا تتعدى الساعات، فأنا كشخصية عامة وموظف حكومي في نفس الوزارة لم يشفع لي ذلك الحصول على سرير وعلاج طارئ لمريض أعرفه إلا بشق الأنفس فتخيلوا حال المريض الذي لا يعرف أحدا ! ثم إن اختيار مديري المستشفيات ينبغي أن يكون بحرص وتأن حتى لا يحدث تصدع في الإدارة ويكون المريض هو المتضرر!