من الحماقة أن تَسأل: المستعمرَ لماذا تستعمرنا؟! وأشدُّ منه حمقاً سؤالٌ يأتي على هذا النحو: هل غادرنا المستعمرون إلى غير رجعة؟!. هي أسئلة تنضح غباءً ذلك أنّ قابليتنا لـ: الاستعمار واستعدادنا بالتالي لـ: الفوضى الخلاقة فيهما من الإغراء ما يجعل منا: مفعولاً به مرّةً وفي الثانية: مفعولاً مطلقا وفي ثالثةٍ ثابتةٍ: مُنفعَلٌ لأجلنا! على الصورة التي يُريدنا: الغربُ أن نكونَ عليها بين يديه وبكلّ صفاقةٍ لم تُعرف مِن ذي قبل إذ شاء لنا -غربُنا الذي نُحبّ- أن لا نبرح مكان: الضمير الغائب/ الميّت بينما نحن في كتاب: نحو الغرب جملةٌ لا بل مفردةٌ محشورةٌ في سطرٍ تَمّ التآمر عليها لتمكثَ فيه حقباً ليس لها: محل من الإعراب!. على أيّ حالٍ.. فما أحسب أنّ ثمة أحداً يُمكن أن يَختلف معي لا مِن العرب العاربة ولا مِن الأعراب المستعربة على أنّ: أمورنا تُقضى بالإنابة عنّا ونحن: شهودٌ نقبع في الدرك الأسفل من: الغَيْبَة الاختيارية وما من أملٍ قريبٍ في: الرّجعة!. وحتى نخلع جلبابَ الغباءِ عن هذا الأسئلة الملتبسة يُمكن لنا أن نعيد صياغتَها وَفْقَ هذه المجملات: لماذا لم يستعمرنا: الغرب؟! وأيُّ شيء يضطره إلى أن يُغادرنا فيما نحن في تصوّره لا نعدو كوننا محض حفنةٍ من كَراسٍ يتمّ تدويرها عبر كبسة زرٍ في مكانٍ مجلّلٍ بالبياض فليس بُدٌّ إذن والحالة هذه من أن نتشبّث به خشية أن يأتي علينا الدّور ذلك أنّ الكراسيَ لا يُمكن أن نتنبأ بغيبها! فالمؤكد أنّنا قد تجاوزنا عبارة: القابلية للاستعمار إذ مضينا أبعد منها بكثير فاستبدلناها بلسان الحال فقلنا: لا حياة دون استعمار وبخروجه يكون الدمار!! أليس في إرهاصات: الفوضى الخلاقة -المرشحة لأن تستمر في منطقتنا لسنواتٍ قادمةٍ طويلةٍ تلك الفوضى التي عشنا فصولاً أُولى من أبواب مسرحياتها المبتذلة تكراراً.. أو ليست هي الأخرى شاهد إثباتٍ على أننا لم نزل بعْدُ رهنَ تجارب: الغرب حيثُ أثبتنا بكلّ معاني الهوان جاهزيّتنا/ وتأهلنا بالتالي لكلّ من كان يود أن يُعمل فينا سِكِّينه وذلك بأن استمرأنا تهيئةَ رقابنا فَرُحْنا طواعيةً نمُدُّها على مقصلةِ أيّ أحدٍ تأهباً لمراسم ذبحٍ من وريد لوريد في حفلة دمٍ تُضخُّ من أوردتنا كأرخصِ ما يكون الثمن بشهادة العالم كلّه؟!. وبمعنىً أدقُّ وصفاً لنقول: لن يتمكّن التاريخُ من الاستدلال على وجودنا إلا بـ: الدم الذي سيخوض فيه إلى ركبتيه حين يمرُّ راغماً على مرابعنا وبسرعةٍ فائقةٍ لِيُخلّفنا في مؤخرته مع أمتعةٍ بائسةٍ لا يُكترث لها!. لعلّ القارئ يتفق معي حين القول بأنّنا: قد رأينا بعضاً من أشراط قيام ساعة: التقسيم ابتغاء تغيير المشهد الإقليمي وذلك عبر دجّال: الشرق الأوسط الكبير! وليس لهم من أدواتٍ تُسهّل عليهم إمكانية إنجاز الوعد المشؤوم بـ: التقسيم غير ما نُمدّهم به من الغيّ في خلافتنا التي أضحت بقاياً من خبز متعفنٍ نتقوّت عليها في صُبحنا الذي لم تظهر شمسُهُ بَعْد؟! لا جرم أنّ الغربَ يُريد لنا أن نكون على الدوام مذعورين وفي حالٍ مِن وجلٍ أمنيٍّ (وحياتيٍّ) يجعلنا على الدوام نفتقر إليهم! فكان لهم ما هو أكبر من ذلك إذ بِتنا وبما كسبت أيدينا نُذعر أنفسنا بأنفسنا على النحو الذي اشتدّت معه عداواتنا لأنفسنا فكان بأسنا بيننا شديداً.. وليس بخافٍ أن أدوات إذعار بعضنا بعضاً هي من إنتاجنا وبنكهةٍ اختلط فيها اللبن بالرّمل.! و مَن صحِبَ الدّنيا طويلًا تقلَّبت علىٰ عينِهِ حتّىٰ يرىٰ صدقَها كَذِبا ومهما يكن من إجرام الغرب بحقنا فإنّ ثمّة أنظمةً تأبى إلا أن تقومَ عن الغرب بذات الدور غير أن الفرق فيما بينهما أنّ الغرب يُنعت بوصفه: كافراً بينما تلك الأنظمة: مؤمنة تًصلي وتصوم! مُنتهى ما يمكن قوله: إنّ الرجل الأبيض هو الأقوى ومن يكن كذلك فلا بد أن يكون هو: الأصلح ولذلك فإنّ ما يضطلع به من حروبٍ بطريقةٍ أو بأخرى ضد الحضارات الضعيفة والمكوّنات الموروثة للأمم المستضعفة هو: قانون علمي ورسالة نبيلة تبتغي إحلال النموذج الغربي في العالم كله من خلال الأيقونات المؤسّسة لفلسفة الصراع.. ولو أنّنا أوقدنا شمعةً واحدةً وقرأنا بضوئها ما كتبه: صامويل هنتنغتون و:فرانسيس فوكوياما لكنّا اليوم في أضعف الإيمان أخفّ حدّةً في: لعن ظلام المآلات التي انتهت إليها كثيرٌ من أوطاننا العربية.! برأيكم لو أنّ فخر البارودي صاحب نشيد: بلاد العرب أوطاني كان حيّاً هل يمكن أن يضع نقطةً على عين العرب..؟! نقلا عن الشرق