كل المواثيق والعهود الدولية المؤيدة لحرية الصحافة، وكل الافكار والدراسات والتجارب الانسانية الداعمة لها تقول ان حرية الصحافة من اهم الحقوق الاساسية التي يقوم عليها بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وهي جزء من الحريات العامة التي ظهرت كسلاح ضد السلطة المطلقة في الحكم، وبالتالي فانها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بشكل الحكم القائم في دولة ما، وهذا الحكم اذا ما ارتضى إدخالها في صلب العلاقة السياسية بين الحكم والمحكومين وصف بانه حكم ديمقراطي. ولان هذه الحرية ضرورة انسانية لرقي المجتمعات وتقدمها، فان المجتمعات المتقدمة والساعية الى التقدم في نظر تلك المواثيق والدراسات والتجارب لا يمكنها ان تتخلى عنها والعمل على حمايتها وذلك لدورها في ايصال المعلومات لجميع افراد الشعب ولا سيما في عصر العولمة الذي اصبح فيه العالم يعيش ثورة الاتصال، كما تسهم الحرية الصحفية في منح الفرد امكانية التعبير، وتعمل في الوقت ذاته على نشر الحقائق في المجتمع. والسؤال المهم هنا لماذا قانون الصحافة الى الآن حبيس ادراج البرلمان؟ مناسبة هذا الكلام او هذا السؤال ما صرح به نائب رئيس لجنة الخدمات في البرلمان: أن قانون الصحافة الذي اعده النواب سيكون على طاولة المجلس للمناقشة وتمريره خلال الانعقاد المقبل، مؤكداً ان ثمة اهتماما بهذا القانون من قبل كافة النواب ولا سيما رئيس المجلس وقال ايضاً ان الصحافة والاعلام يمثلان اليوم القلب النابض للمجتمع ولكل حراك، وان يصدر بافضل صورة وشكل وان يكون المضمون في المستوى المؤمل نقلاً عن الايام. من الواضح ان هذا التصريح وغيره من التصريحات الصادرة من قبل المهتمين بحرية الصحافة والشأن الاعلامي عموماً تعبر عن رغبة تبارك أي تحرك يرمي الى فك الحصار عن قانون الصحافة وهذا بكل تأكيد محط اهتمام وتقدير، ومع ذلك لا يزال السؤال مطروحاً وهو لماذا لا يزال القانون معلقاً بين السلطة التشريعية والتنفيذية اكثر من عقد من الزمن؟ في الاعوام الماضية نُشر في الصحافة المحلية حوارات لبرلمانيين وشوريين وصحفيين عبروا عن موقفهم الصريح والحضاري لاهمية صدور قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر وعبروا ايضاً عن مخاوفهم من غياب قانون مستنير يحمي حرية التعبير ويعطى السلطة الرابعة فرصتها لتمارس دورها بفاعلية في مجتمع ديمقراطي. ومن جملة ما قبل في تلك المقابلات والحوارات: بعد ان أدخلت الحكومة تعديلات على قانون الصحافة الصادر في العام 2002 ادى الى بروز خلاف قانوني في لجنة الخدمات بمجلس النواب في ظل وجود اكثر من نص قانوني، وبسبب هذه الربكة ظلت التعديلات على قانون الصحافة سواء المقدمة من الحكومة او من السلطة التشريعية تراوح مكانها! وهو ما يعبر عن موقف لجنة الخدمات السلبي تجاه الصحافة سواء بسبب نقد الصحافة لاداء النواب او نقد مجلس النواب عموماً، وهو ما ادى في المحصلة الى بروز نوع من الاستفزاز والعداء الداخلي للصحافة! وهناك ثمة من يرجع سبب ذلك الى أمرين هما الحكومة والنواب، فالحكومة اسوة بباقي الحكومات تريد ان تضع نفسها في مأمن من الانتقادات باعتبار ان الصحافة تلعب دوراً أساسيا في الرقابة على اداء الحكومة بشكل يومي، وفاعليتها تكون في بعض الاحيان اقوى من البرلمان، ومن جانب آخر فان مستوى الوعي لدى بعض النواب اثر سلباً في مسيرة القانون داخل السلطة التشريعية، واذا كان هناك من يرى ان القانون يُعد سيفاً مسلطاً على رقاب الصحافيين، ولا بد النظر بموضوعية الى فلسفة حبس الصحافي، فكيف تعاقبه على عمل غير متعمد؟ فان المفارقة كما يراها البعض ان رأس الدولة صرح بصريح العبارة بأن جلالته ضد حبس الصحافيين وله اكثر من محطة اكد فيها دعم الصحافيين، وجعلهم شركاء في تحمل المسؤولية الوطنية، وفي المقابل يأتي نواب الشعب ويطالبون بحبس الصحافيين! في حين يرى احد الصحافيين بانه ليس متفائلاً جداً باصدار قانون مستنير للصحافة يلبي الحدود الدنيا لرغبات الجسم الصحافي البحريني، واذا ما وضعنا دعوة جلالة الملك في سياقها الطبيعي فسنجد ان الكثير من النواب يريدون تكميم افواه الصحافيين، وفي هذا الصدد نؤكد ان الصحافة تلتزم بحق الناس في معرفة ما يجري، ومن الضروري ان ترقتي الحكومة والنواب الى تكريس الديمقراطية والحرية وتطويرها. ومع كل هذه المخاوف والمحاذير والشكوك بسبب عدم صدور قانون عصري ومستنير للصحافة، نأمل أن يتخذ نواب الشعب في الانعقاد المقبل خطوات جادة تدعم قانون الصحافة وحرية الصحافيين وغيرها من الحريات والحقوق لانها اهم المطالب لارساء وتشييد البناء الديمقراطي، فهل يفعلها النواب في الانعقاد القادم ويرى قانون الصحافة النور؟ ام ان الأمور لا تخرج عن التمنيات والرغبات لان المصالح الحكومية ومصالح الاسلام السياسي في بيت الشعب لا تريد ذلك!