"التلفزيون دا حرام، والأباجورة دي حرام، والصور دي حرام"، عبارات قالتها بسخرية الفنانة المصرية ياسمين عبدالعزيز في فيلم "الثلاثة يشتغلونها"، وهي تمر بطور التطرف في الفيلم. في الحقيقة لا توجد أمة في العالم، من أقصاه إلى أقصاه، تحارب الفن غيرنا نحن العربان، فقبل أيام قلائل انتشر عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" هاشتاق عنوانه: "#أوقفوا_تعليم_الموسيقي_بالرياض"، عبر خلاله العديد من المغردين عن رأيهم في دورة الموسيقى التي أعلن عنها فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في الرياض، بين مؤيد لفكرة الدورة وبين معارض. ولو أخذنا برأي المعارضين للفن الموسيقي، فعلينا إلغاء السلام الوطني بداية، ثم ننتقل لنقفل الإذاعة والتلفزيون، ونغلق وزارة الإعلام، ونمنع التمثيل، والمسرحيات، وأغاني الأطفال، ولنحرق تراثنا الموسيقي! كم نحن مختلفون في موضوع اتفق العالم أجمع على روعته وعلو مكانته، وكم أصبحنا منشغلين في مناقشة أكثر الأمور بديهية في الحياة، بحيث أصبح هناك مليون وجهة نظر! لا أعتقد أن أحدا منا لم يشاهد طفلا في أشهره الأولى نائما على سريره، وهو يحاول مد يده للوصول إلى لعبة معلقة على رأسه تصدر نغمات موسيقية جميلة وهادئة، ولو نظرنا لأي طفل لوجدناه يتمايل برأسه يمنة ويسرة على سماع نغمة موسيقية جميلة، لا يجادل إلا مكابر في أهمية الدور الذي تلعبه الموسيقى في حياة كل منا ولا يمكن تخيل حياتنا بدونه، ولا تكاد توجد أمة في أصقاع الأرض لا تمتاز بموسيقاها الشعبية التي لا تطرب إلا لها. الدراسات الحديثة في مراكز "البيولوجيا العصبية" تؤكد أن طرق العلاج الحديثة تستخدم الموسيقى الكلاسيكية بشكل مكثف في رفع نسبة الفهم، وتقليل الإصابة بالنوبات لدى كثير من المصابين بأمراض في الدماغ وتأثيراتها الإيجابية على مرضى الصرع، وأثبتت التجارب كذلك أن الأطفال الذين يتمرسون على العزف على آلة موسيقية لمدة ستة أشهر، يتفوقون على نظرائهم الذين يعملون على أجهزة الكمبيوتر، كما اكتشف باحثون صينيون أن الأطفال الذين تلقوا دروسا في الموسيقى لديهم ذاكرة لغوية أقوى من الذين لم يتلقوا هذه الدروس، ويقول هؤلاء العلماء إن العلاج بالموسيقى مكنهم من معالجة المرضى الذين يعانون من فقدان الذاكرة، وبالتالي تجنب العمليات الجراحية في المخ. نحن عندما نمنع الموسيقى والفن معنى ذلك أننا عزلنا أنفسنا عن العالم، فالموسيقى والفن من اللغات العالمية، فليس الألمان وحدهم من يتذوق موسيقى بيتهوفن، وليس الإسبان وحدهم من يستمتع بلوحة بيكاسو، وعندما تعيش في مجتمع يتأفف من هذه الفنون، فأنت تعيش في مجتمع لا يتحاور بلغات عالمية، لا يريد أن يعرف الآخر المختلف، ولا يرغب في مد جسور الوصال مع البشرية. أنت تعيش منغلقا متقوقعا، مع عاداتك وتقاليدك ولغتك ومفاهيمك. وحسنا فعل رئيس الجمعية الدكتور سلطان البازعي عندما ذكر أن الدورات الموسيقية مستمرة في جميع فروع الجمعية، كلما سمحت ظروفها. ختاما، أقترح على الجمعية أن تقيم احتفالا بالذكرى 92 على رحيل الأب الشرعي للموسيقى الكلاسيكية العربية الموسيقار المصري سيد درويش في 10 سبتمبر 1923، وذلك بعقد محاضرة أو ندوة تتحدث عن أهم أعماله الموسيقية.