نجوى قاسم مذيعة لا تخاف البارود والنار، ولكنها تبكي متأثرة بأخبار العنف والقتل والدماء.. واجهت الموت مراراً، تنقلت بين جبهات الحروب، ولم يسقط الميكروفون من يدها رغم القصف والغارات والتفجيرات.. تم تصنيفها ضمن أقوى مئة امرأة عربية، وحصلت على جائزة أفضل مذيعة إخبارية.. ربما يكون سر تميزها تعبيرها عن مشاعرها بعفوية وخفة ظل على الشاشة، وأنها بمجرد أن تنطفئ كاميرا البث المباشر تستعيد شخصيتها المرحة المبتسمة. مذيعة قناة العربية الشهيرة، لها صيت واسع كمحاورة بارعة تعتصر، المعلومات عصراً من المسؤولين والسياسيين، واللقاء معها فيه المتعة والحوار الثري. } حدثينا عن أهم ملامح طفولتك ودراستك؟ - قضيت طفولتي بين بيروت وقريتنا الجميلة في جبل لبنان، التي احتفظ بذكريات رائعة منها، وللأسف بصور الحرب الأهلية، لكن بحكم أنني نشأت في حضن عائلة مثقفة تمتلك وعياً سياسياً كبيراً، وفي بلد كلبنان بانقساماته المختلفة، كنت محظوظة جداً لأنني نشأت في هذا الوسط المنفتح الحضاري المدني القومي، وأثر ذلك في نشأتي فبدأت باكراً بالنشاط الشبابي والإغاثي والعمل المدني والميداني، والاهتمام بشؤون الناس خلال الحروب، وهذا صقلني وأنتج تجربة غنية لا زالت تلعب دوراً في تكويني. } كيف ولماذا اخترت الإعلام ؟ - اختارني الإعلام ولم أختره، درست الهندسة المعمارية، وحصلت على الماجستير. بينما أمي أرادتني أن أدرس الإعلام وأعمل في قطاع الأخبار، وكنت أرفض الفكرة تماماً، إلى أن أردت الاعتماد على نفسي في تدبير مصاريف الدراسة، بهدف تخفيف العبء عن كاهل أسرتي، فرحت أبحث عن عمل وكانت الحرب الأهلية قد انتهت للتو، وبدأت القنوات التلفزيونية الخاصة تنتشر، أقنعتني والدتي بالتقدم لقناة يتم افتتاحها بالقرب من المنزل، ولإرضائها تقدمت فاختاروني ووجدت نفسي بعد مدة أتعلق بعملي في الأخبار أكثر بأشواط من الهندسة، فانتصر الإعلام. } ما أهم نجاحاتك والجوائز التي تفخرين بها؟ - تشرفت بالكثير من الجوائز التي حصلت عليها كإعلامية وكامرأة عربية ناجحة، من جائزة أفضل مذيعة إلى اختياري بين أكثر النساء تأثيراً في العالم العربي، إلى الإعلامية الأفضل في العمل الإخباري وغيرها الكثير.. لكن لطالما أخذت عهداً على نفسي بأن يبقى هدفي إرضاء الناس والوصول إلى قلوبهم كما عقولهم، فهم يستطيعون إبقاء أي مذيع على الشاشة أو طرده. } هل هناك مواصفات خاصة بمذيعة الأخبار؟ - أكيد هناك قواعد وأساسيات لعمل مذيعة الأخبار لأنها مهنة وشغف، وليست وظيفة تقليدية أو مجرد رغبة في الظهور والانتشار. لذا يجب أن تكون مذيعة الأخبار صحفية بالدرجة الأولى ومتابعة للسياسة. نحن في زمن تتغير فيه تفاصيل الحدث في كل ساعة أو دقيقة ولا يمكن التغاضي عنها، لأن البث المباشر لا يرحم والمشاهد يتابعك كي يعرف ويفهم، والمذيعة أو المذيع هما العصب الأساسي لكل المواد التي تبث من معلومات أو صور أو مقابلات. } بماذا تنصحين أي فتاة ترغب بالعمل كمذيعة أخبار؟ - دون شك إن هناك إقبالاً خصوصاً أنثوي على العمل التلفزيوني، ولكن رغم وجود جيل جديّ ومواكب لتطور العصر، مع ما يعرف بال نيو ميديا، إلا أنني أتمنى من الشباب والشابات ألا يكون الهدف من ظهورهم على الشاشة الشهرة وكلام الإطراء بالشكل، واللهث وراء عيادات التجميل. فمن أهم مواصفات النجاح هي الشخصية المتميزة واللامعة والثقة بالنفس. } كيف تعاملت مع تغطية الحروب، وكيف تحافظين على رباطة جأشك؟ - إنها حياة الحرب. نادراً ما أجد موقفاً لم أعش مثله في لبنان، سواء في الحروب الأهلية أو الأزمات الصعبة.. للأسف دون أن نشعر كلبنانيين بُني في داخلنا التراكم والخبرة حول معظم المواقف العنيفة والخطيرة، ما ساعدني في تغطية الحروب، إلا أنني كلما عشت تجربة جديدة، كرهت الحروب أكثر وكرهت العنف واقتنعت بأنه لا يحل أي مشكلة بل يزيدها تعقيداً ودموية. } وما أخطر المواقف التي تعرضت لها وماذا أضافت لشخصيتك؟ - أصعب المواقف التي واجهتني هي تفجير مكتب العربية في بغداد الذي تواجدت بداخله وخسرنا فيه مجموعة من الزملاء، فيما نجوت بأعجوبة. وربما منذ ذلك الحين وأنا أشعر بالذنب خاصة تجاه عائلتي التي عاشت معي وبسببي لحظات قاسية جداً أثرت كثيراً على صحتهم خاصة والدتي أطال الله بعمرها، ووالدي رحمه الله. وأكثر المواقف إيلاماً وحفراً في القلب هي خسارة زملاء خلال العمل. } حدثينا عن أهمية الأسرة في حياتك؟ - أسرتي هي أغلى ما أملك، لقد أنعم الله علي ببيت دافئ تربينا فيه على الحب والتكاتف، والنظر إلى الحياة والناس بأخلاق وقيم عالية، وأن نكون سنداً لبعضنا، وأسرتي كانت ولا تزال خير سند لي رغم أنني أعيش بعيدة عنهم، إلا أننا نتحدث في تفاصيل حياتنا يومياً، وهذا الحب بيننا يجعل لعلاقتنا ببعض قوة ونبعاً من الطاقة الإيجابية وهذا أبرز أسباب النجاح. } كيف تمكنت من الحفاظ على مكانتك، وما هي أهم أدواتك؟ - الشهرة نعمة ونقمة في آن، هي ككل شيء في الحياة تحمل وجهين إيجابي وسلبي. تسلبك راحة البال أحياناً وأحياناً أخرى تضعك في مشاكل ومواقف لم تحسبي لها حساباً، لكنها أيضاً جواز مرور. أصعب ما في الموضوع هو الحفاظ على نجاحك والمكانة التي وصلت إليها، لأن ذلك يعني العمل دون كلل أو ملل حتى في أصعب الأوقات، وأجد نفسي أتدرب على إخفاء الألم، لكن يبقى التراكم المهني سنداً، ومع الوقت يصبح كالجوهرة اللامعة التي يجب الحفاظ عليها. } تتعرضين بشكل دائم لأخبار الصراعات داخل الوطن العربي.. هل تؤثر على مزاجك؟ - كثيراً خاصة عندما تضطرين للتعامل مع حدث عنف كبير على الهواء مباشرة لساعات، وهذه من المواقف التي تتكرر ولا تخف صعوبتها، ربما مع الخبرة نتمكن من التعامل معها بحرفية، إنما على حساب الأعصاب والمشاعر بالدرجة التي لا يمكن التعبير عنها.. صدقيني في السنوات الأخيرة كثيراً ما كنت أنهي عملي وأعود للمنزل أبكي لساعات.