تبرز زيارة أنغيلا مركل الأربعاء في 26 آب (أغسطس) الى مدينة هايدينو الصغيرة في مقاطعة ساكسه، حيث أدى افتتاح مركز استقبال اللاجئين في 21 و22 آب، إلى تظاهرات عنيفة نظمها النازيون الجدد، مكانة مسألة اللاجئين في الحياة السياسية الألمانية وجدالها الداخلي. وفي 19 آب، أعلن وزير الداخلية توماس دي ميزيير، أن نحو 800 ألف شخص قد يطلبون الاستفادة هذه السنة من حق اللجوء، ويبلغ هؤلاء 4 أضعاف أمثالهم في 2014. وانتبه الألمان إلى وقع الظاهرة، ورأى 80 في المئة أن اللجوء هو قضية ألمانيا الأولى. وعلى خلاف ما قد تعرب عنه مهاجمة مراكز الإيواء، لا ترى غالبية الألمان (نحو 60 في المئة) ضخامة عدد اللاجئين بعين الإنكار. وهذه الغالبية لا تشكك في قدرة ألمانيا على استقبال الوافدين الجدد. والذين يخالفونها الرأي يبلغون 37 في المئة من المواطنين. وفي ألمانيا، يشغل الرأي العام الافتقار الى اليد العاملة الضرورية فوق ما تشغله البطالة الفائضة. ويقر ثلثا الجمهور بحاجة بلدهم الى عمال أجانب يتولون دوام ازدهاره. ويسر أحد كبار موظفي وزارة الخارجية بأن الهجرة الى ألمانيا قد تطرح قضية لوجستية كبيـــرة، ولكنها لم تعد مشكلة سياسية قياساً على ما كانت عليه قبل 20 عاماً، ولا تثير اليوم الاشتباكات العنيفة التي أثارتها يومذاك. وفي غضون العقدين الماضيين، تنبهت البلاد الى مدى اعتماد اقتصادها على المهاجرين، والى تغلغلهم في مرافق سكنها وأعمالها. واليوم ألماني واحد من خمسة متحدر من «ماضي هجرة». ومن علامات الأحوال الجديدة، أن الحزب الاشتراكي- الديموقراطي استدرج في 2014 الحزب الديموقراطي المسيحي البافاري إلى الموافقة على منح أولاد الأجانب المولودين بألمانيا الجنسية المزدوجة، على أن يكونوا قضوا بها 8 سنوات على الأقل. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2014، بينما كان نيكولا ساركوزي يهاجم «المهاجرين الذين يتهددون نمط حياتنا»، جمعت أنغيلا مركل الناشطين المتحدرين من الهجرة في حزبها، وقالت لهم إن ألمانيا تأمل في أن تكون «بلد الاندماج القياسي»، وأن اندماج المهاجرين فرصة وحظ يعودان على ألمانيا وعلى المهاجرين بالمنفعة. وتدور المناقشات والمطارحات على معالجة ألمانيا مسألة تعدد الثقافات فيها. وينقسم المجتمع الألماني على الإجابة على سؤال: هل الإسلام جزء من ألمانيا؟ ولا يخفى أن ألمانيا بلد يرأسه قس بروتستانتي، وترأس حكومته أنغيلا مركل: ابنة قس. وبعد تردد طويل، أجابت السيدة مركل بالإيجاب. ولكن حزبها، المسيحي– الديموقراطي، بعيد من الإجماع على جوابها. والفرع البافاري شديد التحفظ. ومن أوساط الفرع البافاري يخرج المنددون بالهجرة واللجوء. ففي حزيران (يونيو)، هاجم هورست سيهوفير، رئيس الاتحاد البافاري المسيحي ووزير بافاريا ورئيسها، «الإفراط في حق اللجوء». ودمج المهاجرين، شأن السياسة المدرسية واستقبال اللاجئين، ليس من صلاحيات برلين بل تتعهده الدول– المناطق. ومناقشة هذه القضايا يعود الفصل فيها الى مجلس الشيوخ (بونديسرات) وليس إلى البرلمان الوطني (بوندستاغ). والحق أن مناقشات مجلس الشيوخ أقرب الى التورية منها الى إبداء الرأي الصريح. ومشاريع القوانين يقتضي إقرارها، نظراً الى التوازنات السياسية المحلية، موافقة الخضر، وهؤلاء يشتركون في الحكومات المحلية ولكنهم في صفوف المعارضة الاتحادية أو الفيديرالية. والمسألتان اللتان تناقشهما الأحزاب وتتنازع عليهما، هم المساعدة الإضافية التي على برلين تقديمها إلى البلديات لتمكنها من استقبال المهاجرين الذين يفيضون عن التقدير الأول، وتعريف بلدان الاستقبال «الموثوقة»، أو تلك التي لا حق قطعاً لمواطنيها في اللجوء إلى ألمانيا. ولا تثير المسألتان هرجاً أو مرجاً. غير أن الرواج الهائل وغير المتوقع الذي لقيه في 2010 كتاب ثيلو سارازين السجالي «ألمانيا رائحة الى الهاوية»، يدعو الأحزاب في ظل تدفق المهاجرين المسلمين وانبعاث النازيين، إلى الحذر.