استمع عبداللطيف الزبيدي هذه أكبر بكثير من رب ضارة نافعة. ستكون الهجرة إلى أوروبا لمأساة المهاجرين صافعة. سيجدون العجوز يافعة. ستكون قارة رافعة، بارة شافعة، جارة دافعة. لقد تحققت لهم رؤيا رائعة: أو لم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها. حتى الهاربون من الجحيم حظوظهم متفاوتة. الدنيا بطاقات يانصيب. جهات الأرض الأربع غدت تستأثر بالسخاء العربي. فنزويلا أخذت أربعة وعشرين ألفاً، والبرازيل لن ترضى بما هو دونها، وإلا سيكون البر أزيل عنها. والسوريون يخزي العين، أحدهم هاجر إلى الأرجنتين فلم يقنع بما دون نجوم الرئاسة. دعنا من السياسة، فالأكمة التي وراء هذه الحروف متعانقة الأفنان، وارفة الظلال. طوال التاريخ العربي الحديث، كان سوء معاملة الشعوب جاثماً على صدر المواهب والطاقات، كأنما نزلت آية في تحريم رعايتها وإطلاق أجنحتها نحو آفاق التعليم الرفيع. بالمناسبة، لغتنا لم تكن يوماً كاذبة، فالمواهب في الضاد تعني الهبات والعطايا، ولهذا ترجمت الأنظمة إياها المواهب حرفياً عملياً، فكلما ظهرت موهبة وهبتها للمغارب أو المشارق، لأن ادخارها والاحتفاظ بها يعدان خيانة للغتنا. أرسلت المقادير إلى العرب مجاناً حل ما لم يستطيعوا حله، فوزعت ملايين العراقيين والسوريين والمغاربة على بلدان منتقاة من أوروبا على وجه التخصيص. ولا شيء بلا ثمن. هذه المرة كان الثمن تدمير بعض البلدان، لكي تقبل تلك الدول هجرة بعض المساكين إليها. لكن بحر الفجائع سيغدق على قحط العبقريات كنوزاً من اللؤلؤ والمرجان. ستظهر في ألمانيا مفاخر العقول العربية عاجلاً أو آجلاً، سيتألق نظائر كانط وهيغل، وهندل وبيتهوفن، وأينشتين وماكس بلانك، وذات الرئاستين أنجيلا ميركل المستشارة وعالمة الفيزياء والباحثة في الكيمياء الكمية. هناك لا توجد قيود على تطوير النظام التعليمي ولا على البحث العلمي، ولا على كل أشكال الطموح. في النمسا سيرى الجيل المقبل علماء سوريين من قامات إرنست ماخ، ودوبلر، ومؤلفين موسيقيين مثل موتزارت، وشوبرت، وشتراوس، وحتى تحفاً مثل رومي شنيدر، ولم لا؟ وقس على ذلك حفاوة الاستقبال في فرنسا وإسبانيا، وأرض الله واسعة لمن يريد الهرب من أرض العرب. لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: تعب الغرب في وضع العالم العربي على سطح صفيح جهنمي، ليمد الصهاينة أرجلهم، وهجر الملايين، فلا تثقلوا عليه بأعباء استقبالهم. نيالهم هاجروا بلا تأشيرة. abuzzabaed@gmail.com