تبدأ القصة الخطيرة تأريخيا ودينيا وعلميا في العشرينيات من القرن العشرين عندما اقتنى القطبُ المالي صاحب مصانع وتجارة الشوكولاتة إدوارد كادبري ثلاثة آلاف مخطوطة أثرية من الشرق الأوسط، وكان قصده حفظها بمكتبة جامعة برمنجهام البريطانية التي يعتز بها، حالماً أن يجعل الجامعة المحور المركزي للأبحاث الدينية. ثم جاء جماعة باحثون بعد عشرات العقود من الزمن ووجدوا ما أذهلهم.. أربع مخطوطات قشيبة كتبت بخط عربي جميل بالغ الأناقة والتنظيم، وكأن من كتبها عنده قدرة وموهبة استثنائيتان في الكتابة الفنية التي تُضفي احتراما وجلالا. قرأوها بعناية وتدقيق بالغين ووجدوا أنها من القرآن الكريم. طيب أين الخطر الذي أدق ناقوساً كبيرا للانتباه له من الآن؟ أحدثت هذه الصفحات لغطاً عظيماً بين المؤرخين والأركيلوجيين وعلماء الأديان، الفريق الأول الذين كانوا أول من انتبهوا للصفحات القرآنية قالوا إنه بالفحص التاريخي الكربوني للمخطوطات الأربع وجدوا أنها كما زعموا بين العامين 569-645 الميلاديتين، وقالوا: إن هذا التاريخ لهذه الورقيّات - الصفحات الأثرية - ستغير كل ما عُرف عن الإسلام بالتوثيق التأريخي العلمي. وانقلبت الدنيا.. احتج علماء أديان ومؤرخون علميون على صحة ما ادعته جامعة برمنجهام، إلى أن تفاقم الأمر بتدخل أكاديميين من الجامعة العريقة أوكسفورد وأكدوا صحة التاريخ الذي أعلنه أكاديميو جامعة برمنجهام.(!) أين الخطر الأعظم؟ الخطر المحدق هو أننا نعرف أن القرآن الكريم لم يُكتب في عهد الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، وحُفظ في صدور الصحابة، حتى العام ٥٦٠ الميلادية لما أمر الخليفة عثمان بن عفان بجمعه وكتابته خوفا مما قد يصير بعد موت حفظة القرآن الكريم. ماذا يقول أكاديميو جامعتي برمنجهام وأكسفورد؟ يقولون: إن هذا الكشف قد يعني أن القرآن كان موجودًا ومكتوباً في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل قالوا حتى إنه قد يكون موجودا منذ طفولته، وهناك من تجرأ وادعى أن القرآن الكريم قد يكون مكتوبا قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟!!. وثارت مسألة خلاف قوية، لاحظ أساتذة متخصصون في الخط العربي أن نوع الكتابة الذي كُتبت به تلك المخطوطات لم يُعرف إلا في القرن السابع عشر الميلادي ومعظم المحتجين علماء هنود وباكستانيون مسلمون بالجامعات البريطانية. صرح البروفسور مصطفى شاه لجريدة الإندبندنت أنه متأكد أن نوعية الخط في تلك الورقيات لم تعرف إلا في القرن السابع عشر الميلادي، واستنتج الآتي؛ أنه قد يكون الفحص الكربوني صحيحا فلا بأس، فيكون أحد الخُطّاط وجد الرقعة الجلدية الأثرية ثم كتب المخطوطات الأربع، وبالتالي أثار البروفسور مصطفى انتباها عبقريا أن الخط والحبر في تاريخ قريب قبل أربعة قرون فقط، بينما مادة المخطوطة قد تكون أثرية، وبالتالي لا شيء يمسّ تاريخ القرآن الكريم والإسلام ويبقى مؤكَّدا كما عرفناه. ولكن البروفسور دافيد توماس المتخصص بالمسيحية والإسلام من جامعة برمنجهام ادعى مدافعاً عن التاريخ المزعوم والخطير جدا وقال: إنه من المحتمل أن هذه المخطوطات أعِدّٓت لكتابة القرآن من جلد دابة ذُبحت مباشرة قبل كتابة المخطوطات! الأمر خطير جدا، وتتمزق حنجرتي وأنا أقول بخطورته، أكتب هذا من مكتبة عامة بلندن، ولم أجد ما يشير للشك بتاريخ كتابة القرآن الا ذلك الذي تدعيه جامعة برمنجهام. الوثائق ستعرض للعامّة في الشهر الميلادي القادم. وقبل ذلك أجد أنه ضروري أن يذهب وفد إسلامي متخصص من علمائنا إلى جامعة برمنجهام ليفنّدوا ذلك الزعم، ويتحالفوا مع الأساتذة الجامعيين الذين ينفون ذلك تماما علميا، ومنهم البروفسور مصطفى شاه. فالأمرُ خطير.. خطيرٌ جداً.