في ساحة انتظار مطعم «تشيك فيل إيه» بمركز دالاس تاون كروسينغ للتسوق، يقف تشاك ميكا خلف شاحنته الحمراء من طراز «فورد إف - 100» وإنتاج عام 1956، بعدما زينها ولمعها انتظارا لدورها تحت أضواء ليلة الجمعة. ميكا صاحب اللحية الطويلة البيضاء، اعتاد على حضور «ذا كروز - إن»، وهو تجمع أسبوعي يلم شمل المغرمين بالسيارات ويعيدهم إلى الزمن الذي كانت تهيئة سيارتك والتباهي بها تمثل التعبير الأسمى عن الذات. ميكا (72 عاما)، لم يكن عمره يتجاوز 18 ربيعا عندما عمل في أطول مسار لتسليم الصحف في «ماكلين» ليوفر المال اللازم لشراء سيارته الأولى، وهي «فورد» طراز 1953 كان غيارها الثاني معطلا. وفي ليالي الجمعة من كل أسبوع، يحتشد ميكا وأصدقاؤه خلف الـ«دودج تشالنجر» طراز 1972 والـ«كورفيت» الزرقاء إنتاج 1965، ليتفحصوا محركاتها ويتبادلوا القصص حول السيارات والنساء وسنوات العمر التي مضت. ويؤكد المؤرخ مايك بيرغير، والذي يدرس التأثير الاجتماعي للسيارة، أنها لم تعد تحظى بذات الأهمية في حياة الناس، لافتًا إلى أن «السيارة كانت تمنح المراهقين فرصة أن يعيشوا حياتهم. أما الآن فمواقع التواصل الاجتماعي مهيمنة تماما. لا تحتاج السيارة لكي تجد الأصدقاء». وبدوره يقول مارك ليزويسكي، المدير التنفيذي لمتحف نادي السيارات الأميركية القديمة «Antique Automobile Club of America Museum» في مدينة هيرشي بولاية بنسلفانيا الأميركية، إن القيمة العاطفية للسيارة، لا سيما في عيون الشباب، انتقلت في أغلبها إلى الهاتف الذكي. ويضيف ليزويسكي: «عوضا عن فورد مقابل شيفروليه، أصبح أبل مقابل أندرويد، وبدلا من تهيئة مركبتهم، يهيئون هواتفهم بالأغطية والتطبيقات». وفي اجتماع «ذا كروز - إن»، على بعد 30 ميلا خارج واشنطن، يتحسر ميكا وزمرة من جامعي السيارات الآخرين، والذين تجاوزوا جميعا سن الخمسين، على الأيام الخوالي عندما كانت للسيارات تصاميم أكثر إثارة للدهشة والخيال، وعلى الأبناء الذين لم تعد السيارات تثير اهتمامهم. ويقول ميكا: «العالم يتغير بسرعة هائلة بالنسبة لي.. أتمنى أن أعود إلى الخمسينات»، ويشاركه غاري فانينغ، 58 عاما، الرأي قائلا إن «ذلك ما نتحدث عنه». فانينغ حاول أن يهدي ابنه شاحنته طراز 1965، لكن الهدية قوبلت بالرفض بدعوى عدم الاهتمام. على الجانب الآخر، من ساحة الانتظار، يعبر عدد قليل من الشبان عن موقف جيلهم. ويحمل كيفن كيردزيوليك، 26 عاما، وصديقه كونر والش، 25 عاما، نفس الشغف الذي يملأ نفوس شيوخهما. وتبدو سيارة كيفين الموستانغ إس في تي كوبرا وسيارة صديقه كونر الماتش 1 لامعتين كأنهما في صالة عرض. ويحمل الشابان بدورهما ذكريات نضرة عن بداية عشقهما للسيارات. والش كان يجمع في طفولته دمى السيارات إنتاج «هوت ويلز»، بينما كان والد كيردزيوليك مغرما بسباقات السرعة. الشابان يجيدان أيضا إعادة تهيئة نظام التعليق في السيارات، ويعتقدان أن السيارة الجميلة هي أسرع طريق لقلب المرأة. * الزمن يتغير كان عدد المركبات التي تسير على الطرق الأميركية يسجل ارتفاعا سنويا مطردا حتى بدأ في التراجع مع حلول الكساد في 2008. ويقول جون هيتمان، وهو مؤرخ في جامعة دايتون يدرس علاقة الأميركيين بسياراتهم: «في المستقبل القريب، سوف تسيطر السيارات على السائقين وليس العكس.. نمط الحياة التي نعيشها الآن، لا سيما على السواحل، يجعل من امتلاك سيارة أمرا مزعجا. بالنسبة إلى الشباب، وليس فقط النخبة في الحضر، لم تعد حتى الرغبة في القيادة حاضرة». على الجانب الآخر، فقد المراهقون أي صلة بميكانيكا السيارات في ظل ازدياد الاعتماد على التكنولوجيا في صناعة السيارات. ويقول سنو: «لم أعد أرى صبية يعرفون ما هو موجود تحت غطاء محرك السيارة. بل إن كثيرين منهم لا يعرف حتى كيف يفتحه». كراوفورد (49 عاما)، وقع في عشق السيارات عندما كان السائقون مضطرين للتعامل مع المشكلات الميكانيكية لمركباتهم، وكانت السيارات الأولى التي امتلكها كثيرة الأعطال. آنذاك كان استخدام المكابح مهارة وركن السيارة لا تتدخل فيه الكاميرات أو الكومبيوترات. أما الآن فيقول كراوفورد: «أصبحت السيارات صناديق للواقع التخيلي»، وحولت السائقين إلى أطفال، حتى إن شركة «بي إم دبليو» تبث ضجيجا مزيفا للمحركات عبر أنظمة الصوت في سياراتها لتوهم السائقين بأنهم يتولون قيادة ماكينة تدير نفسها في أغلب الأحيان. * الرومانسية الضائعة خلال ثلاثين عاما أمضاها كبائع سيارات في أولدسموبايل، ستيف موسكوويتز، 67 عاما، توقع هذا الحال في قادم الأيام. ويتذكر قائلا: «في شبابي، كنت شاهدا على الرومانسية التي كانت تحيط بشراء السيارة». موسكوويتز أصبح الآن المدير التنفيذي لنادي السيارات الأميركية القديمة. على مدار سنوات طويلة، كان الناس يتأنقون لزيارة معارض بيع السيارات، لكن في السنوات اللاحقة، يقول موسكوويتز، إنهم صاروا «يبحثون عن الاعتمادية والقيمة ولم يعد يعنيهم الشكل والرومانسية». وهكذا بات من غير المدهش أن تصارع متاحف ونوادي السيارات في الولايات المتحدة الآن لاجتذاب جمهور الشباب. ويقول تيري إرنست، رئيس الرابطة الوطنية لمتاحف السيارات ومدير متحف ويلز سانت كلير للسيارات الكلاسيكية في ماريزفيل بولاية ميتشغين الأميركية: «نحاول أن نكتشف ما الذي نستطيع أن نقدمه للناس ولا يجدوه في موقع على الإنترنت.. بالتأكيد، بعض المتاحف سوف تفلس». * أوج الثقافة الشعبية قبل قرن من الزمان، كان نشر روايات تحكي عن مغامرات الصبية والفتيات مع السيارات طريقا مضمونا لبلوغ قائمة أكثر الكتب مبيعًا. كما أن أهمية السيارة لماكينة الحلم الأميركي لم تكن لتقل عن أهمية مشاهير الكتاب والممثلين في جميع الأعمال الهوليوودية الناجحة خلال الخمسينات وحتى ثمانينات القرن الماضي. الرحلات وسباقات السرعة كانا النجمين الحقيقيين لفيلم «أميركان غرافيتي» من إنتاج عام 1973، بينما ألهمت المطاردات في أفلام «ثاندر رود»، 1958، و«سموكي آند ذا بنديت»، 1977، و«كانونبول ران»، 1981، المشاهدين عشق السيارات. على النقيض، ضمت قائمة مجلة هوت رود لأعظم 40 فيلما عن السيارات في تاريخ السينما، فيلمين فقط من إنتاج هذا القرن. وشهد أوج مجد السيارات في الثقافة الشعبية الأميركية مركبات جيمس بوند الطاغية، ومطاردة ستيف ماكوين الأسطورية عبر شوارع سان فرانسيسكو في فيلم «بوليت»، علاوة على أغنيتي «بينك كاديلاك» للفنان بروس سبرينغستين و«ليتل ريد كورفيت» لبرينس في سبعينات وثمانينات القرن العشرين. كما كانت للسيارات برامجها التلفزيونية الخاصة مثل «نايت رايدر» و«ديوكس أوف هازرد»، كما اكتشف المشاهدون في المسلسل الكوميدي «ماي ماذر ذا الكار» أو «أمي السيارة»، والذي عرض لموسم واحد فقط عام 1965، أن سيارة بورتر طراز 1928 ما هي إلا إعادة تجسيد لوالدة مالكها. ويقول جورج باريس الذي أعد البورتر للمسلسل: «كان عليك أن تصمم السيارة لتكون واحدة من نجوم العرض». باريس قام أيضا بتهيئة السيارات لنجوم كثيرين مثل فرانك سيناترا والفيس بريسلي وسوني وشير. لكنه يقول إنه على مدار العقدين الماضيين «بدا أن الاهتمام بالسيارات خبا في هذه الصناعة. لم تعد السيارات التي تعبر عن شخصية النجوم». ويمضي باريس قائلا: «هل يسعك تذكر برنامج تلفزيوني واحد الآن تؤدي فيه السيارات دورا ما أو تقدم كشخصيات مرحة؟ بالنسبة لغالبية الناس الآن، هي مجرد وسيلة مواصلات». * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ {الشرق الأوسط}