ونحن نخوض في الأسبوع الأخير من التسجيل والترشح، تعج صفحات واتساب الخاصة بفروع مبادرة بلدي أنحاء المملكة بالقصص والحكايات التي تتفاوت ما بين الأمل واليأس ومن ثم عودة الأمل. تتفاوت المناطق في ترحيبها بالعمل البلدي، تتفاوت في نشاطها النسوي حماساً وعملاً في الوقت الضائع الذي وضعت أمامه وتتقدم المدينة المنورة على بقية المناطق نشاطاً ووصولاً إلى عدد كبير جداً من النساء والجهات والمدارس والجامعات والدور الاجتماعية والجمعيات في المدينة والمحافظات التابعة لها. وتحركت مبادرة بلدي في محاضرات توعوية محدودة في المنازل الخاصة لتعوض النقص الشديد في التوعية والمعلومة الميسرة، بينما تمضي بعض الدورات والورش بمسميات أخرى في النشاط دون أي ملاحقة، ما يثير الكثير من التساؤلات حول سبب استهداف مبادرة بلدي بالتحديد. وتتفاوت الأرقام، أرقام تسجيل النساء كناخبات ومرشحات في مناطق المملكة، هناك من يقول إنها أكثر في الأطراف، وتثبتها الأرقام، وتحتار التحليلات حتى ندخل إلى العمق ونتعرف على الترتيبات القبلية التي تدير العملية الانتخابية في تلك المناطق. وتتفاوت أيضاً التجارب الإيجابية والسلبية في الوصول إلى مراكز التسجيل في صعوباتها التي ذكرت بعضاً منها في مقال الأسبوع الماضي لكن ما زال الكثير كامنا ويبرز كل يوم مع الاجتهادات التي تقوم بها بعض المراكز دون أخرى لتعقيد حياة النساء. وكان من أكثر ما لفت الانتباه هذا الأسبوع في تسجيل النساء قصة طمس صور النساء على الهوية الوطنية عند أخذ نسخ منها، وهذا لم يكن اجتهاداً من بعض السيدات وإنما كان يتبع تعليمات في لائحة رسمية من اللجنة العامة للانتخابات البلدية، ضمن "دليل قيد الناخبين" في موقع وزارة الشؤون البلدية والقروية، المادة 2/3 "عند توافر الشروط في المواطن وقدم مستند إثبات مقر السكن في نطاق الدائرة الانتخابية يقوم (عضو/سكرتير)اللجنة بتصوير الهوية الوطنية ومستند إثبات السكن للمواطن، وبالنسبة للمرأة يتم حجب الصورة الشخصية للمرأة عند التصوير، والتأشير بالمطابقة على الصور" والتي أدهشتني وأدهشت النساء المستنكرات على تشويه وثيقة رسمية تم التنبيه مراراً إلى عدم مسها وخاصة طمس صورها وكان آخرها التنبيه الموجه إلى كاتبي العدل. ومن الملاحظ أن هذا التصرف لم تقم به كل المراكز وإنما البعض لكنه رُصد في كل من الخبر وجدة وفق علمنا. وهو إجراء وتعليمات من المؤكد أنها تتنافى مع الاشتراطات المتساوية بين الجنسين فضلاً عن أنها تجاوز على وثيقة رسمية تثبت هوية المرأة، فكيف تأمر الوزارة المراكز النسائية بانتهاكها؟ ومن الملاحظات الصارخة على أداء الوزارة ولجنة الانتخابات العامة والمحلية في التأخر في الوصول إلى الجامعات التي تبقى تحت رحمة انتظار التصاريح ولم تصل إلى جامعة الملك سعود على سبيل المثال إلا في الأسبوع الثاني من التسجيل ولم تصل لمناطق وجامعات أخرى بعد، كجامعة المجمعة أو الجوف أو غيرهما. ومن الأمور الملاحظة والمستغربة ضعف العملية الإحصائية اليومية، فليس هناك على موقع الوزارة ما يفيد بعدد المسجلين والمسجلات في مناطق المملكة كل يوم، ونبقى تحت رحمة التويتر في بيانات غير دقيقة حتى من مصادر الوزارة، على الرغم من أن الوزارة تحمل خانة في صفحة الانتخابات البلدية تحت مسمى "الإحصاءات والنتائج" لا تحمل إلا قائمة بعدد المجالس البلدية وعدد أعضائها موزعة في كعكة جميلة، ولكن ليس هناك أي محتوى. وتأخر ملفهم الإعلامي عن مواكبة المتغيرات اليومية. إن ملايين الريالات التي صرفت على الانفوغرافيك تعتبر متواضعة ولا تفي بحاجة النساء الجامحة للمعرفة الجديدة، بل إن مطبوعات الوزارة الثرية الجميلة، لم توضع بشكل يصل إلى النساء في كل مكان ونضطر إلى البحث عنها في كل مكان وكل مركز لتوزيعها ونشر المعلومة. إن نساءنا بحاجة إلى ثقافة الانتخاب التي هي غائبة من مناطق المملكة إلا في النادر. الغالبية العظمى لا يعرفن ما معنى تسجيل قيد أو ما دوره في العملية الانتخابية وما الفرق بين تسجيل القيد وتسجيل الترشح، وهناك من النساء والرجال من يعتقد أن الترشح هو وظيفة تشبه حافز وما إلى هنالك. إننا ننطلق من أول سلم الأبجدية في معنى العملية الديمقراطية التي تدشنها الانتخابات البلدية في دورتها الثالثة باشتمالها على كلا الجنسين، أولى مفردات عملية المشاركة في الشأن العام. المرأة التي ربيت ونُشّئت عبر كافة مراحلها الدراسية وخطابنا الإعلامي والديني والرسمي والشعبي بأن مكانها بيتها، بل وصلاتها في آخر غرفه، وأن من باب الأدب عدم رفع صوتها أو سماعه، وأنه يكفيها اهتماماً ببيتها عن الاهتمام بأي شأن آخر، وحتى عندما تخرج إلى عمل تطوعي فهي تدور في إطار العمل الاجتماعي أو تُقاد إليه وكأنه الوحيد المتاح لأن تبدي فيه رأياً، ناهيك عن المناهج الدراسية وفرصها الدراسية وما كانت دوماً تُوجه إليه. فبعد كل هذه العقود من التسييس الاجتماعي للمرأة على نمط معين، نقول لها اليوم إنه باستطاعتها التعبير والمشاركة في شأن حيها وبيئتها ومجتمعها المحلي من خلال منظومة ديمقراطية تشتمل على مصطلحات جديدة لا قِبل لها بها، تسجيل قيد، انتخاب، ترشح، طعون، حملات انتخابية، ناهيك عن اضطرارها للبحث عن وثائق لم تفكر فيها من قبل ولم يسبق أن جمعتها، وثائق من المفترض أن تحدد هويتها، سكنها، ملكيتها وحقوقها المكانية، مواطنتها. هو عالم جديد تنفتح المرأة عليه وتسمع ربما لأول مرة أنه من حقها وأن الدولة تساندها في هذا الحق، وأنه لا بأس دينياً في هذه المشاركة، ويُعاد تفسير الآية الكريمة: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" بأن المرأة مأمورة بالعمل العام الذي يراقب ويحاسب، وأنها مكلفة مثل الرجل بالولاية على الرجل كما الرجل على المرأة. هذه الحالة الذهنية بحاجة هي الأخرى لرعاية ومداراة وتفسير وتقريب مفاهيمي لم تدخل في حسبان الاستعدادات التي قامت بها اللجنة العامة للانتخابات والتي تحتاج استدراكها وتذليلها، ولا بأس، كما نقول دوماً، بطلبهم الاستعانة بنساء مختصات في هذه الشؤون واللاتي مضى على عملهن في هذا المجال عقوداً. ولتغتنم نساؤنا فرصة الأسبوع الأخير لتستكمل من لم تسجل تسجيلها ومن ترغب في الترشح ترشيحها وأن تحاول قراءة ما يتوفر من معلومات على موقع الوزارة أو في المطويات، إن وصلتها. ولتستعين بالعنوان الوطني كإحدى وثائق الخدمات العامة التي تتوفر مجاناً على الانترنت لتوثيق موضع سكنها. وبالتوفيق نساء بلادي، وتحية لوعيكن الاستثنائي في ظل كل هذه الظروف المعاكسة للتيار. لمراسلة الكاتب: halfassi@alriyadh.net