منذ الاجتماع التاريخي الشهير بين المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن والرئيس الأمريكي روزفلت، وقتذاك، والعلاقات بين البلدين الصديقين في نمو مستمر على كافة الأصعدة، لا سيما السياسية والاقتصادية منها، وهو نمو أدى الى خير الشعبين، حيث تجاوزت التبادلات التجارية بينهما أرقاما فلكية كبرى، وأصبح لدى البلدين قدرة فائقة بحكم ثقلهما السياسي لحل أزمات العالم العالقة ومحاولة احتوائها. ولا شك أن زيارة قائد هذه الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للولايات المتحدة واجتماعه اليوم بفخامة الرئيس الأمريكي يمثلان منعطفا جديدا لدعم علاقات البلدين وتعميقها في سائر الميادين والمجالات، ويمثلان مدخلا رحبا لمناقشة كافة القضايا العالقة سواء في منطقة الشرق الأوسط أو غيرها، حيث ما زالت بؤر التوتر عالية السخونة في أكثر من بقعة من بقاع هذا العالم. وسوف تناقش في هذه الزيارة الهامة عدة قضايا هامة، كالاتفاق الأمريكي الايراني حول الملف النووي، والأزمة السورية المتصاعدة التي ما زالت تحصد أرواح الأبرياء في هذا البلد المنكوب، وكذلك الملف العراقي الذي ما زال معقدا، اضافة الى الحرب اليمنية القائمة حاليا، وكذلك مناقشة قضية الارهاب التي ما زالت تشغل الأذهان، وما زالت تشكل خطرا جسيما بين كافة المجتمعات البشرية دون استثناء. والمملكة حينما تتطرق مع الولايات المتحدة لبحث تلك المسائل الشائكة، فإنها تفعل ذلك ترجمة لمصالح مشتركة بين البلدين الصديقين من جانب، ولإيمانها المطلق بأن العلاقات السعودية / الأمريكية المتينة يمكن أن تسخر لمصالح كافة الشعوب وليس لمصلحة العلاقات الاستراتيجية القائمة حاليا بين البلدين الصديقين فحسب، وهذا ما يبدو واضحا منذ نشوء العلاقات الطيبة بين البلدين وحتى اليوم. والاحترام المتبادل بين البلدين أدى الى تقدير الولايات المتحدة لتمسك المملكة بكل مواقفها الثابتة حيال مختلف قضايا العالم الساخنة، وعلى رأسها قضية فلسطين، على اعتبار أنها قضية العرب المركزية، وقد دعت المملكة الى مشروع سلام عادل يقضي بإقامة دولتين مستقلتين كنهج سليم لتسوية القضية الفلسطينية التي تعد من أطول قضايا العالم السياسية، وقد ثمنت الولايات المتحدة هذا المشروع وأيدته في حينه. ان الفرصة سانحة للغاية عبر الزيارة الحالية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين للولايات المتحدة لبحث العديد من الملفات الساخنة بما فيها الملفات العربية، وقد عرفت المملكة بعدم تنازلها عن مواقفها الثابتة المعلنة، ولكن بمقدورها التباحث حول أفضل السبل والوسائل الممكنة لنزع فتائل التوتر في كل مكان، مع احتفاظها بمواقفها المعهودة من تلك القضايا العربية وغير العربية. وتحظى زيارة خادم الحرمين الشريفين لواشنطن بأهمية خاصة في وقت عصيب لا بد معه من تسخير الجهود لإيجاد حلول ناجعة وشافية لملفات ساخنة ما زالت عالقة، ولا شك أن العاهلين السعودي والأمريكي يتمتعان برؤى متجانسة ومتطابقة حيال العديد من القضايا، ويمكن توظيفها في محاولة جادة ودؤوبة لحلحلة الأزمات العالقة داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها، وهذا ما تعول عليه الأوساط السياسية من خلال الزيارة الحالية. والولايات المتحدة تثمن صداقتها الوثيقة بالمملكة، وليس أدل على ذلك من الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي الحالي للمملكة، وهو أول رئيس وصل للمملكة بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في البلاد، ويدل ذلك على عمق العلاقات بين البلدين والرغبة الملحة في تعميقها وتجذيرها لما فيه مصالح الشعبين الصديقين في شتى المجالات. وتعول الأوساط السياسية على الزيارة الحالية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين، فهي قادرة على رسم الخطوط العريضة الواضحة لبلورة اتجاهات البلدين الصديقين، ورغبتهما في تسوية الأزمات الساخنة في العالم، ورغبتهما في ذات الوقت في تعميق العلاقات الجيدة بينهما وترسيخها ودعمها لما فيه مصلحة الشعبين الصديقين، وهو تعويل صائب وسديد، وسوف يترجم - بإذن الله - الى خطط عملية للمصالح السعودية / الأمريكية من جانب، ولمصالح كافة الشعوب العربية من جانب آخر.