مفاتيح وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة لدخول قلوب مستمعيه ثلاثة: قوة الشخصية، وسر في جاذبية التواصل مع الآخرين لا أعرفه حقيقة إلا أنه بالقطع خليفي المنشأ، وسحر المقال وصدقه. ومنذ بداية استعصاء سير الحياة الاجتماعية كما كانت تسير بإيقاعها السابق قبل فبراير 2011 فإن معاليه دأب على عقد لقاءاته المباشرة مع المواطنين، وهذا يشير إلى الثقة الكبيرة بالنفس وبالأداء، ليطلعهم على حقيقة الواقع مثلما هو كائن وليس كمثل ما ينقله الآخرون عبر شاشة الأحقاد الفارسية والفتن الطائفية قناة العالم المقيتة. ويعلم القارئ أن حالة الأمن عندما تكون منقولة من رجل الأمن الأول يكون وقعها صادقا وتحظى بمقبولية أكبر. الشيخ راشد، ومن إحساس بألفة من يحميني ويوفر لي الأمن والأمان أود أن أسميه بوعبدالله، ينتقي الشخصيات المؤثرة في الناس ليدعوها للقائه بعناية فائقة، ليستشف من أسئلتها ما يهم المواطنين وما يؤرقهم في اللحظة ذاتها. لأبي عبدالله طريقة فريدة في اختيار مفرداته ومداعباته وجمله بحيث تتسق والمقام الذي يلفي نفسه فيه. موظفا معاليه أسلوبه في ملامسة ما يشغل المواطنين وما يؤرقهم دلف الموضوع الذي حضّر نفسه له في لقائه مع بعض المواطنين مبتدئا بتقديم شكره لهم إسهاماتهم، كل من موقعه، في الهبة المجتمعية التي أطارت بالأوهام الفارسية عندما وقف الشعب وقفة واحدة في الإدانة والاستنكار للأعمال والأجندات الإيرانية، وباسمهم رفع تهانيه إلى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفه رعاه الله على ما مثلته الوقفة الوطنية ضد التدخلات الإيرانية في الشأن البحريني، مترجما هذه الوقفة إلى المقام السامي ولاء وطنيا ومحبة نابعة من قلوب ومهج بادلته الشعور. مختتما مدخل كلمته بالتوجه إلى مقام جلالة الملك رعاه الله بالقول: فيا سيدي إن الموقف الوطني لهو بيعة وطنية أتتكم عن طيب خاطر. إنك لصادق سيدي معالي الوزير فقد كانت فعلا بيعة تضاف إلى البيعات التي هُرع لها المواطنون في لحظاتها وأزمانها وتواريخها الحاسمة. فكيفما وصلت إليكم أعزائي القراء رسالة معالي الوزير فإني لا أشك في أن فرحا اعتلاكم وسعادة غمرتكم مثلي لما احتوته الكلمة من معانٍ لا تكون إلا سامية. فالمسؤول الأول عن الأمن والساهر على استقرارنا يرى من واجباته الوطنية أن من الأمور التي يجب أن تحظى بالعناية القصوى من قبل الجميع دون استثناء هو احتواء كل ما من شأنه بث الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد. فنحن بحاجة إلى نهج يتمسك ويعلي من الهوية الوطنية ويرسخ مبادئ التسامح وقبول الآخر ليكون الكل رابحا. هكذا قال معاليه. يختلف مع ما قاله معالي وزير الداخلية أولئك الذين يضمرون ما يضمرون للبحرين، ويخططون لما يخططون لتبقى هذه البلاد في قبضة الشر الإيراني المتطاير في السماء العربية، لكن السؤال هنا هو: ما أهم ما قيل بعد أن أفاض معاليه محبة في الملك، ومدافعا عن الوحدة الوطنية المبنية على قيم التسامح والعيش المشترك؟ وفيم يرى الضوابط الأمنية الضرورية للقضاء على عوامل التردي في العلاقة بين المكونات الاجتماعية؟ هذان هما السؤالان اللذان ينبغي أن نتوقف عندهما لنناقش بعضا من هذه الضوابط التي أثارت عند البعض شيئا من الحنين إلى ثقافة الدوار المتلاشية بفعل افتضاح المساعي الخسيسة لبعض ناشري هذه الثقافة من خلال إعلام يتغذى في مرتع الخيانة. وأول ما يمكن رصده في هذا الخصوص هو ردة الفعل الشديدة التي أيقظت أصحاب الخطاب التحريضي، وتنادوا لإصدار البيان تلو البيان والمقال تلو الآخر. تدابير الحفاظ على الأمن التي أعلنها معالي الوزير قد نثرت الرعب في قلوب أصحاب الأجندات المذهبية والأجنبية التي يحلو لها أن تكون طليقة اللسان في تأليب الناس على الناس. وبالتدقيق فيما تضمنته تلك البيانات والمقالات نرى بأنها تتدثر بظاهر الدين الحق لممارسة باطل التحريض السياسي. إن الشأن السياسي لا يُختزل في تحريض المواطنين على الدولة وعلى نظامها السياسي، ولا في الترويج للمذهبية الدينية على حساب المواطنة الجامعة. الحقيقة أن في بياناتهم جوانب دينية لا أستطيع الخوض فيها، لأن هناك من أهل الاختصاص من هم أقدر مني على الرد على ما جاء في البيانات والمقالات المشار إليها. لكن عدم استطاعتي الرد على من ينطلق من الشأن الديني لا يمنع من الرد على من يتحدث من منطلقات أخرى. فلنأخذ مثلا أحدهم وهو من انبرى ليعرب عما سماه قلقا على مستقبل الحريات الدينية، ودعا إلى تحقيق دولي في التمييز الطائفي، وزاد على ذلك أنه قد أفصح عن طلب غريب يقضي بدعوة المقرر الخاص للتمييز العنصري!! هذا الشخص هو ممن يعرّفه الموقع الالكتروني لجمعية الوفاق بمسؤول قسم الحريات بمرصد البحرين لحقوق الإنسان، وما أكثر مسؤولييهم، إنه ميثم السلمان الذي لم يوفر قط فرصة منذ فبراير 2011 إلا ورفع يافطة التمييز والاضطهاد الديني عنوانا لكل مساعيه منذ لاحت له خطأ مراسم تسليم حكم البلاد إلى الملالي في قم. فماذا قال، بربكم، هذا الميثم؟ لمن يتابع هذا الشخص ويتتبع مقاصده المنفلتة من كل عقال يتضح له أن كل إحالاته تقود إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وتراه يستند إلى مواد لا علاقة لها البتة بما يعمل عليه، لأنه ببساطة ما يهفو إليه لا ينسجم مع ما يتضمنه العهد الدولي. ولكنه يريد من خلال ذلك إعطاء مصداقية لكلام متهافت لا يصمد أمام حقيقة الوضع الحقوقي في البحرين. ومما يثير الضحك حقا أن السلمان علق على قول الوزير الفاضل بوعبدالله القاضي بأن الشيعة في البحرين ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية. فما الذي يمكن أن تتصور أنه قال؟! قال هذا الميثم الآتي: صدق وزير الداخلية، فشيعة البحرين ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية، بل الكثير منهم يشعر أنه مواطن من الدرجة العاشرة بعد تعرضه لألوان متعددة من التمييز والاضطهاد... وإذا ما دقق القارئ معي في هذا القول فإنه سيكتشف بأن أخانا ميثم يدافع في الأصل عن إيران، فتراتب المواطنين درجات شأن لا يعني البحرين أبدا منذ عهود سحيقة، إذ لا وجود له إلا في أساطير الماضي أو في مخيال من أبوا على البحرين الخليفية أن تستقل عن العبث الإيراني، وأعتقد أن أخانا ميثم يتحدث عن البحرين وعينه على إيران. ثم إنني لا أجد مبررا لحرصه على الدقة، إذ لم يقل كل الشيعة، ولعل في هذا ما يرجح فرضية توصيفه وضع شيعة البحرين أو الشيعة العرب في إيران فهم فيها شيعة من درجة ثانية، وهم خارجها مطمع من مطامع هيمنة موهومة. وإذا كان لي أن أستخلص زبدة القول في لقاء معالي وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله مع بعض المواطنين ببضع كلمات فإني أقول بأن معاليه أراد أن يقول للمواطنين جميعا، من خلال من حضر اللقاء، بأن أمن البحرين واستقرارها مهمة جماعية، وأن الكل سيكون رابحا إذا أسهم كل فرد، كل فرد مهما اتخذ لنفسه من الأوصاف والمسميات، بقسطه والتزم بالضوابط والمعايير الجديدة المزمع إصدارها قريبا. أرجو أن تكون رسالة معاليه وصلت.