قرأت قبل فترة قصيرة مجموعة كبيرة من تعريفات الشعر، ومن اللافت بينها ما قاله الإسباني ميغيل دي ثيربانتس.. قال: العام الذي يكثر فيه الشعر عادة ما يكثر فيه الجوع أيضاً..، ومن اللافت، أيضاً، تعريف الشاعر الألماني بول تسيلان للشعر، فقد قال: الشعر هو نوع من أنواع الرجوع إلى البيت... عرف الشعر فلاسفة ومفكرين ونقاد وأكاديميين وروائيين، لكن أفضل من يعرف الشعر هم الشعراء . . فالفيلسوف له زاوية نظر تأملية محددة عندما يضع نفسه موضع المعرف للشعر، والمفكر قد يصدر في تعريفه للشعر عن العقل، والناقد قد يصدر في تعريفه للشعر عن نظرية أو منهج أو مصطلح، والأكاديمي قد يصدر عن ثقافة مدرسية في تعريفه للشعر، والروائي، بطبعه سردي، والشعر ليس كله سرداً، وفي الأخير يبقى الشاعر الذي غالباً ما يستعمل قلبه ليس في تعريفه للشعر فقط، بل يستعمل القلب في تعريف كل شيء.. من الحرب إلى السلام، ومن التعصب إلى المرونة، ومن الحب إلى الحب. من وجهة نظر قلب الشاعر أو من وجهة نظر قلبية أو قلبانية فإن الشعر هو التسامح.. لماذا الشعر هو التسامح؟ لأنه في العمق إنساني كوني عالمي.. والشعر معنى آخر لما هو متمدن وحضاري، والشعر طاقة سلمية للبشر، والشعر دعوة ديمومية للسلام، والشعر رديف الرفق والمحبة والحنان، وفي الشعر شيء من الأمومة والطفولة والصداقة، والشعر يعني العالم كله في لغة واحدة تماماً كالموسيقى. والشعر لا يعرف الكراهية. إنه النقيض المباشر لهذا الشعور الأسود، والشعر، أيضاً، لا يعرف التصلب والتطرف والتعصب، وإذا أردت أن تصقل كل هذه الأفكار أو التعريفات معاً. فإن كلمة التسامح هي الوعاء الحاضن لمفهوم الشعر. كل قصائد الحب في العالم تكاد تكون متشابهة.. فإذا وسعت مفهوم الحب ، فإنه يستوعب في الوقت نفسه مفهوم التسامح.. وبهذا المفهوم الإنساني الراقي كتب نيرودا شعراً في الحب هو شقيق شعر لويس أراغون، وشعر الحب الذي كتبه بدر شاكر السياب ليس بعيداً في جوهره التسامحي عن شعر ناظم حكمت، والشاعر الألماني جورج ماورر يجلس على مائدة واحدة إلى جوار لوركا، وعبد الوهاب البياتي في شعره القلبي أخ من أم واحدة للشاعر جاك بريفير، وكان بورخيس يكتب شعراً وقصصاً مشبعة بالإنسانية واللطف والقوة أيضاً، وهو، في فضاءاته هذه ليس بعيداً عن أنسي الحاج ، أو سركون بولص ، أو محمد القيسي، ولكن مع المناخات الخاصة بكل شاعر ، أو بكل روح شعرية. الشعر هو التسامح، والشاعر الكبير، بطبعه، متسامح كبير، كما لا يمكن لشاعر كبير في قلبه وفي ثقافته وفي تربيته ومرجعياته أن يكتب شعراً أصفر، والمقصود بالشعر الأصفر هو الشعر الذي يدعو إلى الكراهية والعنصرية والتمييز والتفرقة والتباعد والتنافر. نعم هناك شعر عنصري، ولكن من يقرأ هذا الشعر ويثق به، ويصدقه..؟ لا أحد، فالشعر مادة بشرية جمالية في الأصل، وكل توحش هو نقيض للبشري وللشعري معاً، ولا يبقى إلا الجوهر.. المحبة والرفق والتسامح. يوسف أبو لوز