قالت لزوجها إن ولدها يرى أحلاماً مخيفة ولا تدري كيف تبعث فيه الطمأنينة لتذهب عنه بعيداً تلك الأحلام. سألها زوجها: ما طبيعة هذه الأحلام؟ ماذا يرى فيها؟ قالت: إنه يرى نفسه يحترق في النار فيصحو مفزوعاً وهو يبكي. ويبقى مدة قبل أن أنجح في أن أجعله يعود إلى النوم ثانية. سألها: متى رأى هذه الأحلام؟ قالت: منذ ليلة الاثنين الماضي. قال: هل عرفت السبب ؟ قالت: ذكر لي أن مدرس الدين حدثهم عن عذاب جهنم. قال: هداه الله. كان على المدرس أن يرغبهم في رحمة الله أكثر من أن يخوفهم من عذابه سبحانه. إنهم صغار، يحتاجون من يحببهم في الله سبحانه، ويشوقهم إلى جنته، ويؤجل حديثه عن جهنم وعذابها إلى المراحل المتقدمة في الدراسة. قالت: ماذا أفعل الآن لأبدد من قلبه ذاك الخوف؟ قال: أخبريه أنني أريد محادثته. حضر ابنه مسرعاً فاستقبله والده بابتسامة عريضة ووجه مشرق وأخذ بيده وأجلسه جانبه ثم سأله: طمني كيف دراستك؟ أجاب: الحمد لله يا والدي. معدلي العام خمسة وتسعون في المئة. قال والده: بارك الله فيك يا بني وزادك توفيقاُ ونجاحاً. قال ابنه: هذا بفضل دعائك لي يا أبي. قال الأب: بفضل الله أولاً، ثم لا تنس اجتهادك يا بني، ودعاء أمك لك أيضاً، أمك التي تحبك كثيراً وتريد لك كل خير. قال ابنه: وأنا أحبها كثيراً يا أبي. قال الأب: هل يمكن لأمك التي تحبها كثيراً، وتحبك أكثر، أن تلقي بك في النار؟ ابتسم ولده وقال: أمي ؟! مستحيل يا أبي أن تفعل أمي هذا. لقد احترقت أصبعي قليلاً بالمدفأة فأسرعت أمي تعالجها وهي تبكي علي. سأله أبوه: أتجد أمك أرحم بك من الله؟ سكت ولده قليلا، ثم قال: لا شك في أن الله أرحم بي من أمي. قال أبوه: أحسنت يا ولدي إن رحمة أمك بك، ورحمات جميع الآباء، والأمهات، والطيور والحيوانات، وجميع المخلوقات، أقل من واحد في المئة من رحمة الله تعالى. لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة جزء، أمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض رحمة واحدة يتراحم بها الخلائق، حتى الدابة ترفع حافرها عن وليدها خشية أن تصيبه) البخاري. قال ولده: ما أعظم رحمة الله بنا يا أبي! إنها رحمة واسعة، عظيمة، كبيرة. قال أبوه: ولقد قُدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة مـن السبي تبتغي إذا وجدت صبياًُ في السبي ألصقته ببطنها، وأرضعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته: (أترون هـذه المرأة طارحة ولدها في النار) ؟ فقال الصحابة: لا والله، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها) متفق عليه. ظهرت أمارات السرور في وجه الولد، وأشرق بنور الرضا، والطمأنينة، وهو يقول: لقد جعلتني يا أبي أحب الله أكثر مما أخافه.